مروة جردي
تحوّل الشيف السوري عمر أبو لبدة من رمز إنساني يوحّد السوريين إلى هدفٍ لحملة تشويه واسعة بعد دعوته لاستخدام قوة المؤثرين في خدمة قضايا الأطفال والتعليم. هكذا، اجتُزئت تصريحاته لتبدو انتقاداً للسلطة، فأُطلقت ضده موجة سبٍّ ممنهجة، كاشفةً صداماً بين جيلٍ رقمي حرّ وبنيةٍ إعلامية وسياسية ما تزال تعمل بالأدوات البائدة
«كيفكم يا غوالي… والله يباركلو» عبارات تحوّلت إلى هوية خاصة بالشيف السوري وصانع المحتوى عمر أبو لبدة، الذي كان من أبرز الشخصيات السورية على منصات التواصل الاجتماعي والجامعة للسوريين في سنوات الحرب بسبب ابتعاده عن الخطاب السياسي، وتركيزه على المحتوى الإنساني.
جدال واسع وحملة تشويه سمعة
مع ذلك، تحوّل الشيف عمر، إلى محور سجال واسع في الأيام الماضية، بعد نشره مقطعاً لطفل في سوريا تعرّض للتحرش والحرق. حرّك الفيديو مشاعر صانع المحتوى المتخصّص في الطعام، الذي يملك أكثر من 17 مليون متابع على مختلف المنصات، ما دفعه إلى الدعوة لاستخدام قوة المؤثرين في قضايا عامة، مثل إعادة إعمار المدارس ومساعدة الأطفال المشرّدين، بدلاً من الاكتفاء بـ«التطبيل والاحتفالات» انطلاقاً من هذه الحالة.
جوقة مطبّلين اعتبرت أنّ «طبّاخ الشعب» تجاوز حدوده
لكن سرعان ما انتقل النقاش من القضية التي أثارها إلى حملة واسعة لتشويه سمعته. إذ جرى اقتطاع جمل من حديثه وتحويلها إلى مادة للهجوم عليه وعلى عائلته. حاول بعضهم اعتبار كلام عمر تشويهاً لسمعة وصورة النظام السوري الجديد ورئيسه أحمد الشرع، ما أجبره على نشر بيان يستغرب فيه حالة «تأليه الرئيس» التي لم ينته منها السوريون.
مشهد تكرر خلال الشهور الماضية، واعتاد عليه السوريون مع كل شخصية تحاول التعبير عن رأي خارج الاصطفاف الجديد وهو مدح «الباب العالي» للحكم الجديد.
بدلاً من الرد على فكرته – أي تفعيل دور المؤثرين في قضايا التعليم والطفولة – جرى اللجوء إلى السباب الشخصي والقذف، وهي أساليب تذكّر السوريين بخطاب «التشبيح» الذي دائماً ما اشتكوا منه.
لا شيء تغيّر بين النظامين
في المقطع الذي جرى تداوله بكثافة في الساعات الماضية، قال عمر «على زمن هداك ما كنت تسترجي تحكي، لأن بيدفنولك أهلك تحت سابع أرض. وعلى زمن هاد كمان نفس الشي، ما فيك تحكي شي. نضحك على بعض، مين بيسترجي يحكي؟
يلي عم يطلع يحكي عالسوشال ميديا عم ياكل مسبّات من فوق لتحت». اعتبر كثيرون تصريحه انتقاداً مزدوجاً للسلطتين، مع تأكيده على أنّ القيود على حرية التعبير ما تزال قائمة. هذا المقطع فجّر انقساماً حاداً. بعض التعليقات سخرت منه، قائلة «يا ريتك ضليت ساكت وخليك بالمطبخ»، فيما رد آخرون بأن «الثورة قامت للحرية والكرامة، ومن حقّنا أن ننتقد الشرع كما انتقدنا الأسد».
ردّ قاس من الشيف
أمام هذه الموجة، خرج الشيف عمر برد قاسٍ عبر «ستوري» إنستغرام، قائلاً «90% من يلي عم ينتشر عني محرّف واجتزاء. يا ريت انتشر كلامي كامل، بس ما بتقدرو لأنه كلمة الحق بتفضحكم». وأضاف «شكراً لأن تعليقاتكم أثبتت كلامي… وسيلتكم الوحيدة السب والشتم والقذف. أما كلمة كرامة، فركزوا عليها منيح»، وتابع: «أنتم ما بتمثلوني ولا بتمثلوا الشعب السوري الواعي. أنتم ناس مستفيدة وعم تتاجروا بكل حدث لمصالح شخصية. كلمة الحق لو ما كانت صحيحة ما كنتوا فرتوا هالفورة».
المفارقة أن هذه الحملة تزامنت مع حدث سياسي مهم (رفع علم أزرق فوق منطقة سورية جديدة) من دون أن يلقى التغطية نفسها، ما عزّز الاعتقاد بأن الضجة ضد «رأي طبّاخ» استُخدمت للتعمية على المستجدات الميدانية. هي ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الشيف عمر لحملة منظمة. منذ زلزال سوريا وتركيا، حيث كان من أوائل من دخلوا بمساعدات غذائية وطبية موثقة إلى إدلب وعفرين وجنديرس، وهو يواجه اتهامات متكررة بالتشبيح والانحياز، رغم أن معظم مشاريعه الخيرية نُفذت في الشمال السوري.
تكشف القضية التوتر بين قوتين: من جهة، جيل جديد من المؤثرين الذين يملكون جمهوراً بالملايين وقدرة فعلية على الحشد والضغط، ومن جهة أخرى، بنية سياسية وإعلامية تقليدية ما تزال تعتمد أسلوب التشويه والاتهام كوسيلة وحيدة للرد.
في الفيلم المصري «طباخ الريس» (2008)، كان الطبّاخ يهمس للرئيس بما لا يجرؤ الآخرون على قوله، ولا يعرف فيه. في حالة الشيف عمر، لا الرئيس محجوب ولا الشيف يهمس، بل يصرخ عبر منصاته بقضايا اجتماعية. المفارقة أنّ الغضب لم يأتِ من «الريس» نفسه، بل من جوقة المطبّلين الذين اعتبروا أنّ «طبّاخ الشعب» تجاوز حدوده. يبدو أنّ سوريا ما تزال محكومة بالوصفة نفسها: لا يحق لك أن تقول الحقيقة إلا إذا خرجت من مطبخ السلطة… أما إذا خرجت من مطبخ عادي، فمصيرك الشتيمة والتشهير.
أخبار سوريا الوطن١- الأخبار