آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » بين بريق الذهب وصلابة الحديد: العالم يواجه أزمة اقتصادية متصاعدة

بين بريق الذهب وصلابة الحديد: العالم يواجه أزمة اقتصادية متصاعدة

 

 

بينما يترنح الاقتصاد العالمي تحت وطأة الرسوم الجمركية المتبادلة والأزمات السياسية المتلاحقة، يسطع الذهب اليوم كأنّه يعلن بصوته اللامع أن العالم يعيش إحدى أكثر مراحل الاضطراب المالي في تاريخه الحديث.

 

فقد اخترق المعدن النفيس حاجز الأربعة آلاف دولار للأونصة للمرة الأولى على الإطلاق، في مشهد يلخّص حجم القلق الذي يخيّم على الأسواق، من واشنطن إلى طوكيو، مروراً بأوروبا والشرق الأوسط.

 

منذ جائحة كورونا حتى اليوم، تتوالد الأزمات كأنّها سلسلة لا تنتهي: من شلل سلاسل الإمداد إلى تضخم الأسعار، ومن حروب الرسوم إلى انهيارات الصناعة، حيث بات العالم أقرب إلى اقتصاد يحتمي بالذهب ويهرب من الغد.

 

من الجائحة إلى الحمائية

بدأت الحكاية عام 2020، حين أغلقت الجائحة أبواب العالم وأدخلته في ركود غير مسبوق، توقفت المصانع، انهارت السياحة، وامتلأت ميزانيات الدول بعجوزات الإنفاق الطارئ، ومع عودة النشاط تدريجياً في 2021 و2022، انفجر التضخم مدفوعاً بارتفاع الطلب وتكاليف النقل والطاقة.

 

ردّت البنوك المركزية بأسلحتها النقدية المعتادة: رفع الفائدة وكبح السيولة، لكن الدواء سرعان ما تحوّل إلى عبء؛ إذ تراجعت معدلات النمو دون أن يختفي التضخم، بل أعاد تشكيل الاقتصاد العالمي نحو معادلة أكثر هشاشة.

 

واليوم، بعد خمس سنوات من الجائحة، تشير تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى نمو عالمي لا يتجاوز 3.2% في 2025، مع توقع استقراره عند 2.9% في 2026، وهي نسب بالكاد تكفي لتفادي الركود، أما مؤشر عدم اليقين التجاري الذي ترصده “الأونكتاد”، فقد بلغ أعلى مستوياته منذ بدء التسجيل، في إشارة إلى أن العالم ما زال يبحث عن توازن مفقود بين العولمة والحمائية.

 

الرسوم الأمريكية.. صدمة القرن

في خطوة وُصفت بأنها “انقلاب اقتصادي”، رفعت الولايات المتحدة هذا العام متوسط الرسوم الجمركية إلى 22.5%، وهي النسبة الأعلى منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

 

القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضمن سياسة “إعادة القوة إلى الصناعة الأمريكية”، لم يمرّ دون ردود، فقد ردّ الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم مضاعفة على واردات الصلب الأمريكية لتصل إلى 50%، في خطوة اعتبرها قادة الصناعة “تهديداً وجودياً” لصناعة الصلب البريطانية والأوروبية.

 

وتشير بيانات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أن هذه الحرب الجمركية قد تخفض النمو العالمي بنحو نصف نقطة مئوية خلال عامين، فيما قد ترتفع معدلات التضخم الأمريكي إلى 3% بحلول 2026.

 

المشهد يزداد تعقيداً مع دخول قوى آسيوية على الخط، إذ تلوّح الصين بإجراءات مضادة وتوسّع صادراتها نحو الشرق الأوسط وأفريقيا لتجاوز الحواجز الغربية.

 

الذهب… لغة القلق الجديدة

لم يكن ارتفاع الذهب حدثاً اقتصادياً عادياً، بل لحظة رمزية تعبّر عن ذروة القلق المالي، إذ لطالما اعتُبر هذا المعدن “الملاذ الآمن” لأنه يحافظ على قيمته الجوهرية رغم عدم توليده الفوائد، ويُقبل عليه المستثمرون لحماية أموالهم في أوقات الضبابية الاقتصادية.

 

ففي مستهل التعاملات الآسيوية، بلغ سعر الذهب صباح اليوم 4001.11 دولار للأونصة، بعد أن ارتفع بأكثر من 50% منذ بداية العام، وهي مستويات غير مسبوقة.

 

وكان قد تجاوز عتبة الألفي دولار في آب 2020 خلال ذروة جائحة كوفيد-19، ثم تذبذب حول هذا السعر حتى عام 2024، حين بدأ صعوده المتسارع: 2500 دولار في آب، 3000 في آذار، و3500 في أيلول.

 

التحليلات تجمع على أن “الملاذ الآمن” عاد إلى الواجهة، فمع الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة وتزايد الحديث عن خفض الفائدة، تحركت رؤوس الأموال من الأسهم والسندات نحو الذهب والمعادن الثمينة.

 

قفز الذهب بأكثر من 52% منذ مطلع العام، مدفوعاً بعوامل غير مسبوقة: توقعات خفض الفائدة الأمريكية، مشتريات ضخمة من البنوك المركزية، ضعف الدولار، وتصاعد التوترات الجيوسياسية.

 

هكذا، لم يعد الذهب مجرد مؤشر على الخوف، بل تحوّل إلى “لغة جديدة” لقياس المزاج الاقتصادي العالمي.

 

أوروبا في عين العاصفة

وفي المقابل، يعيش قطاع الصلب الأوروبي أسوأ أيامه، فمع الرسوم الأمريكية الجديدة ومضاعفة الاتحاد الأوروبي للرسوم على الواردات الأمريكية، وجدت الشركات البريطانية نفسها على حافة الانهيار.

 

رئيس الهيئة الصناعية البريطانية، غاريث ستايس، وصف الموقف بأنه “أخطر أزمة في تاريخ الصناعة”، محذراً من أن “التدفقات العالمية من الصلب الرخيص قد تُغرق السوق الأوروبية خلال أشهر”.

 

من جهتها، تعمل المفوضية الأوروبية على خفض الحصص المعفاة من الرسوم بنسبة 47%، وفرض إلزام بالإفصاح عن منشأ الصهر والصب لمنع التحايل التجاري، في خطوات تؤكد أن الحمائية لم تعد خياراً بل واقعاً جديداً.

 

ارتدادات عربية

الدول العربية ليست بمنأى عن هذه التحولات، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمثلان أسواقاً رئيسية للطاقة والبتروكيماويات، وأي تباطؤ في النمو العالمي سينعكس على الطلب على النفط وعائدات المصدرين.

 

وفي المقابل، تشير استطلاعات الرأي إلى أن بعض الاقتصادات العربية قد تستفيد من إعادة توجيه سلاسل الإمداد، وخاصة في الصناعات الوسيطة والخدمات اللوجستية.

 

 

لكن ما يبدو مؤكداً هو أن العالم يعيش لحظة مفصلية، عنوانها “الذهب يصعد حين تهبط الثقة”، فكلما ازدادت التقلبات السياسية والاقتصادية، ازداد بريق الذهب وتراجعت الثقة في الأنظمة المالية التقليدية.

 

اختبار التاريخ

من جائحة أربكت العالم، إلى حرب رسوم تعيد رسم خريطة التجارة، إلى قفزة الذهب التي تكشف عمق الخوف في الأسواق، يقف الاقتصاد العالمي اليوم على أعتاب مرحلة جديدة: لا هي عولمة كما عرفناها، ولا انغلاق تام كما يخشاه البعض، إنه عالم يعيد تعريف الثقة، يعيد تقييم المخاطر، ويبحث عن نظام تجاري أكثر عدلاً واستدامة.

 

وكما ترى “الأونكتاد” في تقريرها الصادر في الـ 16من نيسان الماضي، فإن التنسيق لا يمنع الأزمات، لكنه يخفف حدتها ويقوّي القدرة على التكيّف، “نحن بحاجة ماسة إلى تنسيق أقوى للسياسات والتجارة الإقليمية، في ظل مسار الاقتصاد العالمي نحو الركود، مدفوعاً بتصاعد التوترات التجارية وعدم اليقين المستمر”.

 

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام ولادة اقتصاد عالمي جديد، أم أمام دورة أخرى من الفوضى المقنّعة بالذهب؟

 

أخبار سوريا الوطن١-سانا

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرقابة والتفتيش: مخالفات وتجاوزات في مصرف عام وكف يد عدد من الموظفين

    كشفت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عن وجود مخالفات في آلية صرف وتوزيع السيولة النقدية في أحد المصارف العامة، مؤكدة أنها اتخذت إجراءات فورية ...