كريمة دغراش
في بلد صارت فيه الهجرة نحو الضفة الأخرى من المتوسط، بأي شكل من الأشكال، أحد أبرز أحلام جزء كبير من شبابه، لم يعد الأمر يقتصر على العاطلين عن العمل فحسب، بل تعدّاه إلى العائلة الرياضية، من لاعبين، وعدّائين، ومصارعين، وحتى حراس مرمى حملوا قميص المنتخبات الأولى ورفعوا راية تونس في المنافسات الدولية.
في حادثة أعادت النقاش داخل الأوساط الرياضية التونسية عن ظاهرة هروب الرياضيين، أو “الحرقة” كما تُسمى في تونس، اختفت قبل أيام لاعبة المنتخب التونسي في رياضة رفع الأثقال غفران بلخير من معسكر التدريب في أوسلو، قبل أن يكشف عن هروبها باتجاه ألمانيا.
حوادث متكررة
“لم تكن ابنتي لتغادر المعسكر لولا ظروفها الصعبة”، هكذا تحدث والد اللاعبة التونسية والبطلة العالمية إلى وسائل إعلام محلية، لافتاً إلى أنها “كانت تتقاضى منحةً شهريةً في حدود 100 دولار، رغم أنها تنتمي لمنتخب النخبة وسبق لها أن رفعت راية تونس في العديد من المحافل الدولية”.
وغفران بلخير، حائزة على الميدالية الذهبية في وزن 55 كلغ في بطولة العالم لرفع الأثقال 2021 وعلى الميدالية الذهبية في وزن 58 كلغ في الألعاب الأولمبية الصيفية للشباب 2018.
قصة غفران تشبه قصص عشرات الرياضيين التونسيين الذين أقدموا على الهروب من معسكرات تدريب في أوروبا أو هاجروا بطرق غير شرعية، تاركين وراءهم مسيرة رياضية واعدة.
وفي الأعوام الأخيرة، تكررت حوادث مغادرة رياضيين تونسيين لمعسكرات التدريب مستغلين مشاركتهم في مسابقات عالمية لبلوغ أوروبا.
والعام الماضي، غادر 3 رباعين مقر إقامة بعثة المنتخب التونسي، الذي كان يشارك في بطولة العالم للشباب لرفع الأثقال بإسبانيا بشكل سري، ما أحدث حينها صدمةً داخل الأوساط الرياضية.
التهميش والإهمال
ويقول الكاتب الصحافي الرياضي عبد السلام ضيف الله لـ”النهار” إن “حرقة” الرياضيين في تونس لم تعد تثير الاستغراب، مؤكداً أنها “ليست جنوناً ولا خيانة”، بقدر ما هي “صرخة قوية ضد التهميش وضعف الإمكانات”.
وفي بلد تعتبر فيه كرة القدم الرياضة الشعبية الأولى، تُعاني الرياضات الفردية من التهميش والإهمال.
ويرى ضيف الله أن رياضيي النخبة في تونس “يعانون من تحقير رسمي لإنجازاتهم”، لافتاً إلى أنهم “ظلّوا على مرّ السنوات ضحايا إدارةٍ سيئة لملفّ حارق لم ينجح من تولوه في فهم أن التفوّق الرياضي يحتاج إلى معاملة خاصة وتقدير أكبر”.
ويكشف أن رياضيي النخبة يفكرون في “الحرقة” أو يقدمون عليها لأنهم “بعد كل إنجاز خارج بلدهم يعودون إلى واقعهم المرير، مجرد مواطنين عاديين، أو في كثير من الأحيان أقلّ من ذلك بلا أفق، بلا عمل، وبلا مستقبل مضمون”، وفق تعبيره.
ويتابع: ” حياة الرياضي قصيرة، ويحتاج صاحبها إلى تأمين مستقبله منذ البداية، وهو ما لا يمكن تحقيقه اليوم في تونس”.
ويقول المسؤول الرياضي السابق حسن العبيدي لـ”النهار” إن ظروف هؤلاء الرياضيين صعبة، موضحاً أنها “سابقاً كانت سلطة الاشراف تتكفل جميع مصاريفهم، أما اليوم فالبعض منهم يشتري حذاءه وملابسه من ماله الخاص”.
أزمة هيكلية
وتفتح حادثة بلخير الباب أمام نقاش أوسع في الأوساط الرياضية في تونس حول حدود النموذج الرياضي التونسي الحالي وهيكلته.
ويشير العبيدي إلى أن الرياضات الفردية في تونس تعاني من ضعف الاعتمادات على عكس الرياضات الجماعية، التي دائماً ما تحظى بالنصيب الأوفر من الرعاية والعناية من سلطة الاشراف.
ويشدد ضيف الله على أن التفوق، خصوصاً بالنسبة لرياضي النخبة، لا يمكن أن يتحقق من دون إدارة قوية تستفيد من إمكانات الدولة، رغم محدوديتها، وتنفتح على القطاع الخاص لضمان أكبر حجم ممكن من الدعم المالي.
ويرى أن هناك حاجة ملحة في تونس إلى تغيير جذري في إدارة رياضة النخبة نحو إدارة حقيقية تشتغل بإمكانات أكبر، وتخطط بذكاء، وتُحسن الإحاطة بأبطالها في حياتهم الرياضية وما بعدها.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار