} حسن حردان
المعركة التي تخوضها القاضية غادة عون ضدّ الفساد، وتحاول خلالها أن تفتح ملفات جرائم تهريب الأموال إلى الخارج والتلاعب بسعر العملة.. كان آخرها مداهمتها شركة ميشال مكتف للصيرفة، والحصول على داتا وملفات التحويلات المالية للخارج، والتي ترافقت مع مسارعة أطراف نافذة من الطبقة السياسية إلى التحرك لإحباط جهود القاضية عون ومنعها من الحصول على هذه الداتا والمعلومات، عبر استخدام نفوذهم لكفّ يدها عن مواصلة ملاحقة ملفات الجرائم المالية والفساد… هذه المعركة التي لم تنته بعد، كشفت المعضلة الحقيقية التي تواجه أزمة التغيير في لبنان…
أولاً، استنفار وتراصف وتحرك سريع من قبل حماة الفاسدين من الطبقة السياسية والمالية وبعض الإعلام في الهجوم على القاضية عون واتهامها بمخالفة القانون، وذلك لمنعها من الاستمرار في العمل على محاولة كشف الجريمة التي ارتكبت بحق جميع اللبنانيين والتي تسبّبت بحرمانهم من الحصول على ودائعهم، وانهيار قدرتهم الشرائية وسحق طبقتهم الوسطى وإفقارهم.. وهو ما يتجسّد أيضاً في عرقلة التدقيق المالي الجنائي والضغط على القضاء لمنعه من التحقيق في قضايا الفساد التي قدمت له من قبل النائب حسن فضل الله وغيره من قوى وهيئات مدنية…
ثانياً، تفرّج وصمت مطبق من قبل كلّ الذين ادّعوا «الثورة» للإطاحة بالسلطة الفاسدة، واحتلوا الساحات وشاشات التلفزة مدّعين أنهم لسان حال الناس المسحوقة بنار الأزمة، ويريدون التغيير ومصلحة الشعب.
ثالثاً، عدم تحرك القوى والتيارات صاحبة المصلحة بالتغيير وكشف من يقف وراء جرائم تهريب الأموال وتسعير نار الأزمة النقدية والمعيشية، لنصرة ودعم القاضية عون وعدم تركها تواجه وحدها في مواجهة وحوش الطغمة المالية وعتاة الفاسدين من رجال المال والسياسة القابضين على مفاصل السلطة… وذلك تحت عنوان انّ القاضية عون مدعومة من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر.. في حين مفروض ان يكون الموقف مبنياً على أساس العمل الذي تقوم به القاضية عون.. فإذا كان يصبّ في محاربة الفساد بنزاهة وخدمة المصلحة العامة فيجب دعمها لا سيما أنها تجرّأت على القيام بذلك في حين امتنع او تردّد غيرها في الإقدام
هذا المشهد، معطوفة عليه عرقلة عملية التدقيق المالي الجنائي، يؤكد انّ معركة إصلاح السياسات ومحاربة الفساد واستعادة حقوق اللبنانيين لا يمكن أن ترى طريقها للتحقق، من خلال معارك فردية يقوم بها أفراد او حزب بعينه، على أهمية ما يقومون به.. ففي مقابل التحالف القوي للطبقة الفاسدة المسيطرة على مفاصل السلطة والقرار المالي والقضائي ومعه بعض الإعلام، مطلوب تبلور تحالف وطني عريض عابر للطوائف يضمّ كلّ الأحزاب والقوى والهيئات النقابية والاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير الحقيقي وتحرير اللبنانيين من السياسات التي تسبّبت بمعاناتهم…
لكن للأسف هذا التيار والتحالف العابر للطوائف غير قائم، وهو يحتاج إلى جهود كبيرة لبلورته وقبل ذلك إلى تغليب المصالحة العامة على المصلحة الذاتية، والى الترفّع عن الصراعات الثانوية وتقديم أولوية الاتحاد والتحالف لمواجهة الطبقة الفاسدة المتحكمة بالقرار والمسؤولة عن إفلاس البلاد وإفقار اللبنانيين… والعمل على بلورة برنامج وقيادة جماعية لخوض النضال لتحقيق التغيير الذي ينشده اللبنانيون الذين باتوا بمعظمهم يعيشون في حالة من اليأس والإحباط من إمكانية التغيير بعد أن ركبت موجة احتجاجات 17 تشرين الأول، وما تلاها، قوى ومجموعات مرتبطة بأجندات خارجية تسعى الى تحقيق مصالح الغرب للنيل من المقاومة وتنفيذ انقلاب سياسي يكرّس السياسات التي أنتجت الأزمة وتكبّل لبنان بالمزيد من التبعية للمنظومة الرأسمالية الغربية بقيادة أميركا التي تقف وراء الحصار المالي على لبنان وتمويل الحملة المسمومة ضدّ المقاومة وسلاحها خدمة لكيان الاحتلال الصهيوني، وتعمل على عرقلة أيّ حلول للأزمة، بهدف زيادة معاناة اللبنانيين لفرض الشروط الأميركية على لبنان مقابل تسهيل تدفق القروض المالية المشروطة من صندوق النقد الدولي والدول المانحة.. وهو ما أعاد التأكيد عليه مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل خلال زيارته الأخيرة لبيروت من خلال التركيز على تشكيل حكومة تنفذ إصلاحات صندوق النقد، وتكرار الهجوم والتحريض ضدّ المقاومة وسلاحها والتدخل الفظ والسافر في شؤون لبنان الداخلية، مما يؤكد أنّ معركة التغيير في الداخل مرتبطة ارتباطا وثيقا بمعركة التحرّر من الهيمنة والوصاية الاستعمارية الأميركية…
(سيرياهوم نيوز-البناء19-4-2021)