باولا عطية
بات إقليم كردستان العراق، شمالي البلاد، محط أنظار المستثمرين المحليين والدوليين، ليس فقط بسبب موارده الطبيعية، بل أيضاً نتيجة السياسات الحديثة للاستثمار، والاستقرار النسبي، والرغبة في تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط فقط. في هذا المقال، نستعرض أهمية الإقليم الاقتصادية، الثروات التي يمتلكها، الفرص الاستثمارية الموعودة، والتحديات التي تواجه الاستغلال الأمثل لهذه الإمكانات، مع الاستعانة بآراء الخبراء الاقتصاديين.
أهمية استراتيجية وموقع جغرافي فريد
يصف الخبير الاقتصادي د. بلال علامة في حديث إلى “النهار” إقليم كردستان بأنه “منطقة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة، بفضل موقعها الجغرافي الذي يربط ما بين تركيا وإيران وسوريا والعراق فيدرالياً، ما يجعلها بوابة العراق نحو الانفتاح على الاتحاد الأوراسي”. ويضيف أن الإقليم استطاع تحقيق استقرار داخلي نسبي يميّزه من بقية المناطق العراقية، الأمر الذي أبعده عن التجاذبات والصراعات ووضعه في موقع جاذب للاستثمارات والتجارة والحركة السياحية.
ويتابع علامة أن الإقليم “يتمتع بثروات طبيعية هائلة، بدءاً من النفط وصولاً إلى المعادن، إضافة إلى قطاع الزراعة، والثروة الحيوانية، والصناعات الغذائية الزراعية، ما يجعله وجهة استثمارية متنوعة غير محصورة بالنفط فقط”، كما يشير إلى أن النشاط العقاري يشهد بدوره نمواً سنوياً بمليارات الدولارات نتيجة التوسع العمراني والتنظيم المدني في مدن مثل أربيل، مقرونة بزيادة سكانية ونمو في اليد العاملة.
أما في ما يخص الأرقام، فيوضح الخبير بأن التقديرات غير الرسمية تشير إلى دخول نحو 75 مليار دولار من الاستثمارات إلى الإقليم خلال السنوات الـ20 إلى 25 الماضية، وهو ما ساهم في تحريك قطاعات عدة مثل التعليم، الزراعة، الصناعة، والخدمات، مضيفاً أن “ما يتوافر في كردستان من خدمات وبنية استثمارية لا يتوافر في كثير من المناطق العراقية الأخرى”.
الثروات الطبيعية في الإقليم
تقدَّر احتياطات النفط في الإقليم بما بين 10 و45 مليار برميل بحسب الدراسات المختلفة، وهو رقم يضع كردستان ضمن المناطق الغنية بالنفط في الشرق الأوسط. وإذا صحت التقديرات العليا، فإنها تمثل فرصة هائلة لجذب الشركات العالمية، خصوصاً مع وجود بيئة أكثر استقراراً نسبيّاً من باقي مناطق العراق.
أما الغاز الطبيعي، فتشير التقديرات الرسمية إلى أن احتياطي الإقليم يبلغ نحو 5.67 تريليونات متر مكعب، مع وجود حقول رئيسية مثل خورمور (Khor Mor) وجمجمال (Chemchemal). هذا الاحتياطي يمكن أن يجعل الإقليم مركزاً مهماً لتوليد الطاقة وتصدير الغاز في المستقبل.
خريطة استثمارية وفرص متنوعة
وفقاً لرئيس هيئة الاستثمار في كردستان، د. محمد شكري، أطلقت الحكومة خريطة استثمارية جديدة تشمل أكثر من 1500فرصة في قطاعات متعددة مثل الصناعة، الزراعة، السياحة، البنى التحتية، الخدمات، الصحة، والتعليم.
كذلك، أظهر موقع Invest Kurdistan تفاصيل عن فرص في الصناعات التحويلية والبتروكيماوية، ومشاريع الطاقة الشمسية وتطوير الطرق، فضلاً عن المشاريع السياحية التي تستفيد من التنوع الجغرافي والمناخ المعتدل في الإقليم.
وفي النصف الأول من عام 2025 فقط، استقطب الإقليم 1.25مليار دولار من التراخيص لمشاريع جديدة بلغ عددها 79 مشروعاً في قطاعات الصناعة والسكن والتجارة والزراعة والسياحة، ما يعكس ثقة المستثمرين بالبيئة الاقتصادية هناك.
عوامل الجذب الاقتصادي
بحسب علامة، فإن العوامل الجاذبة في الإقليم لا تقتصر على الموارد، بل تشمل أيضاً الاستقرار الأمني النسبي، والانفتاح الاقتصادي، ومرونة التشريعات، والتنوع في القطاعات. ويشير إلى أن “إقليم كردستان متحرر نسبياً من الضوابط والعقوبات المفروضة على باقي مناطق العراق، ما يمنحه مرونة في العلاقات التجارية والمالية الدولية”.
أهمية اقتصادية متعددة الأبعاد
1. تنويع الدخل: تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط ضروري لتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسعار العالمية.
2. تحسين الطاقة المحلية: استغلال الغاز المحلي يمكن أن يساهم في توليد الكهرباء وخفض تكاليف الاستيراد.
3. خلق فرص عمل: مشاريع الزراعة والصناعة والخدمات تولد آلاف الوظائف وتطور المهارات المحلية.
4. موقع جيوستراتيجي: الإقليم حلقة وصل بين تركيا وإيران والأسواق الأوروبية والآسيوية.
5. طلب داخلي متنامٍ: النمو السكاني والحاجة إلى خدمات جديدة يخلق سوقاً محلية ديناميكية.
التحديات والمعوقات
رغم كل هذه المزايا، تبقى هناك مجموعة من التحديات التي يجب التعامل معها بحذر:
– غياب الشفافية الكاملة حول أرقام الاحتياطات النفطية والغازية.
– تعقيدات العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية في بغداد بشأن تصدير النفط والعائدات.
– ضعف بعض البنى التحتية الحيوية (النقل، الطاقة، المياه).
– الحاجة إلى ضمان استقرار سياسي وأمني طويل الأمد.
– ضرورة توفير ضمانات للمستثمرين ضد الأخطار المالية والسياسية.
– الاهتمام بالجانب البيئي والاستدامة في مشاريع الطاقة.
التوصيات
– تحديث الدراسات الجيولوجية ونشر بيانات رسمية دقيقة للمستثمرين.
– تحسين التشريعات لتوفير وضوح وثقة في البيئة القانونية.
– تطوير البنية التحتية الأساسية والطاقة النظيفة.
– تقديم حوافز ضريبية وضمانات استثمارية قوية.
– تعزيز القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة.
– اعتماد سياسات بيئية متقدمة لحماية الموارد الطبيعية.
إقليم كردستان العراق يمتلك مقومات اقتصادية واستراتيجية كبيرة تؤهله لأن يكون محوراً استثمارياً مهماً في الشرق الأوسط. وكما يؤكد علامة، فإن الإقليم “يمثل نموذجاً مختلفاً داخل العراق، استطاع تحقيق توازن بين الاستقرار والانفتاح الاقتصادي وجذب مليارات الدولارات من الاستثمارات”.
لكن تحويل هذه الإمكانات إلى قيمة اقتصادية مستدامة يحتاج إلى رؤية واضحة، شفافية في الإدارة، وبنية تحتية قوية تواكب طموحات التنمية.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار