نوار حيدر:
بدت الومضة الشعرية التي سميناها الأدب الوجيز كأنها ذات جذور في تراثنا الشعري , فماذا عن القصة الومضة التي اصبحت قصة قصيرة جدا , كيف يراها كتابنا ومبدعونا ؟
الأديب والكاتب سهيل الذيب أشار أن أهمية ال.ق ق ج تكمن في أنها قصيرة تناسب عصر السرعة فهي وجبة دسمة خفيفة ومفيدة لمن يتقنها،
وهي سمجة لا تهضم لمن يعتدي عليها، فيركب موجتها وهو لا يعرف أسرارها. وهذا النوع من القص صعب للغاية، وندرة من استطاعوا إثبات وجودهم فيه من دون إسفاف أو ابتذال. لذلك على كاتب ال (ق ق ج) أن يكون ذكياً لماحاً رمازاً من دون أن يغلق مفتاح الإدراك لقارئه، أي عليه أن يهديه إلى مجداف الوعي ليقود سفينة القصة بكل متعة ومقدرة.
ويقول: على الكاتب تجنب الإيغال في التكثيف والتلغيز ما يجعلنا أمام معضلة أو لغز نعجز عن حله. أما المبتدئ الذي يصر على الخوض به فعليه بالقراءة الكثيرة، فشرطه الأول الثقافة العالية، والثاني الفطرة والذكاء ومعرفة اللغة معرفة واسعة، والقدرة الأدبية على التكثيف والرص والإيحاء وأن يكون لديه الإحساس الكبير الذي يساعده في شد القارئ إلى نصه ومعناه ومبناه. ولكلّ أسلوبه وقدرته على توصيل أفكاره فالأسلوب هو الكاتب نفسه فبقدر ما يكون متمكناً من قدرته على القص بشروط القص بقدر ما يكون أسلوبه سلساً سهلاً طيعاً له وللمتلقي.
وبقدر ما يكون الكاتب متمكناً من أدواته تنجح قصته والعكس صحيح.
قدرتها على الإيجاز
قد يحمل هذا النوع من القص أساليب هزيلة ضعيفة يظنها أصحابها نكتة ساذجة فركبوها وشوهوها وأساؤوا إليها أيما إساءة بينما نجد كتاباً سوريين ارتقوا وبصموا وطوروا القصة القصيرة هذه كعماد نداف وفهد حلاوة و يحيى أبو فارس حليس والسيدة الزين من حلب وغيرهم من الذين جعلوا من مواطن الضعف فيها كالوضوح والسذاجة في الأسلوب، قوة بتكثيفها ورمزيتها وبقدرتها على الإيجاز في الكلمات ووضع عنوانها المناسب وليس من الضروري أن يكون مفتاحاً للنص إضافة إلى اللغة السليمة والحس العالي.
أشبه بالفقاعة
ويقول الكاتب: ما زال هذا المنجز في طور النشوء على الرغم من مرور عقود عليه ويعيده بعضهم إلى قرون وأعتقد انه لم يترك آثاراً لدى القارئ فهو أشبه بالفقاعة التي يزول مفعولها بعد انفجارها، والسبب كما زعم الكاتب أنه لم يصل إلى المتلقي بشكل آسر كي يهتم به أو يتابعه.
فالأدب كالحياة لا ينمو ويزدهر إلا في بيئة حاضنة ونحن في سورية الآن في وضع لا يمكن لأي نوع أدبي أو غير أدبي أن يزدهر في ظل منعكسات الحرب .كذلك الومضة و القصة فلا أظن أنهما حققتا وجودهما ولا بعضه.
جنس أدبي جديد
رأت الكاتبة دينا فارس أن القصة القصيرة(ق ق ج) جنس أدبي جديد ظهر في الفترة الأخيرة ، أشرق وأينع كثيراً وكان له دوره الكبير في الظهور والازدياد والإشراق في فترة الحرب لأنه يعبر عن تلك الومضات التي تختلج في النفس بصفحات وصفحات ليختزلها بسطر , ليكون فيه تكثيف كبير للصورة وتحميل للمشاعر يعبر عن نَفَس المتلقي وعن نَفَس صاحبه الذي كتبها .
وتتابع : ففي خضم الحرب و الأزمات وعصر التكنولوجيا وتلك الأيام المتسارعة التي نعيشها الآن لا نهرع إلى قراءة صفحات لأن الدينا أخذتنا وشغلتنا عن ذلك الكتاب الورقي الذي يغمسنا فيه و يسرقنا إلى عالم جميلٍ وصافٍ للتعبير عن المشاعر وقراءة الذات وتحليلها وتشخيص ما تعانيه وإجابتها وتطييبها أيضاً .
وتضيف الأديبة فارس :القصد في هذا السطر الأدبي نرى حكاية كاملة تتراص فيها المشاهد وكأننا نختصر المسلسل الذي يكون من ثلاثين حلقة إلى فيلم من ساعة ونصف، ثم أصبحنا الآن في عصر الثورة الرقمية إلى فيلم قصير بدقيقتين ونصف يوصل الفكرة والحكاية ويؤدي المغزى والمشهد .هذه الصعوبات تحتاج أديباً له مخيلة واسعة جداً بها يوصل أحلى الصور ، صور متراكبة التي نسميها في البلاغة مشهد تمثيلي عبارة عن أجزاء متراكبة من المشاهد والصور البليغة والتشابيه البليغة تؤدي في تكثيفها إلى التعبير عن حالة القارئ المتراكبة وتلخيص ما يعيشه من حالة انفعالية شعورية تختلط فيها المشاعر بين الحزن والفرح والغضب والحب والهيام والشوق والألم لتكون الظاهرة الأوضح هي الشعور العالم الأوضح فيرى فيها الجزء الأوضح ويعبر عما فيها.
فيها الكثير من مواطن القوة التي اختزلتها الآن بالتعبير عن قوة الشاعر في رسم هذه الصورة وفي منح كلام بسيط بسطر بسيط لكنه مفعم بالمشاهد وبإيصال المشاعر والتعبير عن الأفكار، ولكنها أيضاً قد تكون رمزية عالية أحياناً، فتصعب على المتلقي الذي يكون من العامة، وأحياناً يقرأها العامي قبل المثقف وأحياناً يحولها المثقف والسياسي إلى الكثير من الرموز والتحليلات والتأويلات والتأويهات .مواطن القوة فيها كبيرة ومواطن الضعف فيها أصغر.
إننا نشتبه الآن بين التعبير عن خاطرة بسيطة كما يدرج في العامة فيظن الكاتب الهاوي أنه يكتب (ق ق ج) إنما هو يكتب سطراً من خاطرة تعبر عن حالة شعورية انفعالية.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة