د. سلمان ريا
في مجتمعاتنا، حيث تتعاقب الأزمات وتتراكم المخاوف، يولد نوع من الناس يعيش على هامش الحياة، أناس لا يملكون سوى ظلّهم. يختبئون خلف جدران رمزية من الفقر أو العزلة أو العجز، ويتخفّون خلف شعور زائف بالأمان.
هذا هو إنسان الظل، الضحية التي تحوّلت إلى جزء من المشهد الاجتماعي، حتى صار وجوده مبررًا لبقاء الاختلال. النقص هنا ليس مجرد عيب فردي، بل بنية اجتماعية متوارثة. ما كان ضعفًا أو عجزًا يتحوّل إلى فضيلة صامتة، وما كان خضوعًا يصبح حكمة مزعومة. يتشكل جيل كامل يعيش في الهامش، يراقب الحياة من بعيد، ويظن أن التواري هو النجاة.
في عالم إنسان الظل، الطموح جريمة اجتماعية، والحلم فضيحة، والنجاح تهديد. يتعلم المرء أن يخفض صوته حتى لا يسمع نفسه، وأن يختبئ عن الحياة كما يختبئ العابر عن خطواته العابرة. ومع مرور الوقت، يصبح الغياب أسلوب حياة، وتتحول اللامرئية إلى شكل مألوف للوجود.
الخطر الأكبر أنّ هذه الظلال تستنسخ ذاتها. المقموع يولد مقموعًا، والمحروم يحرس حرمانه كقدر مقدس. إنها حلقة مغلقة يتحول فيها القبول بالعجز إلى قاعدة اجتماعية، ويصبح الخضوع نمطًا مألوفًا يقيّد طاقات المجتمع.
لكسر هذه الدائرة، لا يكفي تغيير الأشخاص أو الشعارات، بل يجب إعادة بناء وعي الإنسان بذاته. فالنهضة تبدأ من الفرد حين يدرك أن النور ليس امتيازًا ممنوحًا، بل حق لكل إنسان أن يُرى ويُسمع ويَحيا. حينها، يمكن للمجتمع أن يستعيد توازنه، ليس بالضجيج، بل باليقظة الهادئة التي تعيد للكرامة معناها وللوجود عمقه.
إن إنسان الظل ليس عدواً بقدر ما هو مرآة صادقة لنا، يذكّرنا بما نخسره كل يوم من معنى الإنسان حين نرضى أن نعيش ناقصين. والتحرر الحقيقي يبدأ حين نجرؤ على الخروج من هذا الظل، لا لنهاجم الضوء، بل لنصبح جزءًا منه.
(أخبار سوريا الوطن-2)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
