بين الحين والآخر تعود الذكريات القديمة لتطرق أبواب الوعي، تذكّرنا بلحظاتٍ تمنينا لو تعاملنا معها بشكلٍ مختلف وكلماتٍ كان يمكن ألا تُقال غير أن بعض الأشخاص لا يكتفون باستحضار الذكريات، بل يعيشون فيها مراراً وتكراراً، إلى حدٍّ يجعل تأنيب الضمير يتحوّل من تجربة إنسانية طبيعية إلى حالةٍ مزمنة تؤرق النفس وتعطّل الحاضر.
تقول السيدة منال م وهي موظفة في العقد الرابع من عمرها، مرّت سنوات على وفاة والدتي لكنّ شعور الذنب يرافقني كلما تذكّرت أنني قصّرت في رعايتها بأيامها الأخيرة حتى بعد تأسيس عائلة وعمل ناجح ما زلت أستيقظ أحياناً ليلاً كأن الذنب حدث البارحة، هذه الحالة ليست فريدة إذ كثيرون يعيشون أسرى لأخطاء ماضية أو مواقف لم تُغفر لأنفسهم بعد، فيتحوّل الضمير من صوتٍ موجه نحو الإصلاح، إلى جلّاد داخلي لا يرحم .
متى يصبح الضمير خصماً؟
تشرح الأخصائية النفسية سيرين العوا، في حدثها لصحيفة الثورة، أن تأنيب الضمير شعور صحي في الأصل، لأنه يعكس وجود وعي أخلاقي وحسّ إنساني، لكنه يصبح مرضياً حين يتحوّل إلى “إعادة محاكمة دائمة للنفس دون نهاية”.
موضحة أنه من الطبيعي أن نشعر بالندم عند الخطأ، لكن حين يتكرر الشعور بشكلٍ يومي ويعطل العلاقات والعمل ويولّد القلق، فنحن أمام ما يُعرف بـ(تأنيب الضمير المزمن) الذي ربما يقود إلى الاكتئاب أو اضطراب القلق العام.

أما كيف نتحرر من أسر الماضي؟
يرى الباحثون عموماً أن الخطوة الأولى نحو التعافي هي الاعتراف بالخطأ دون الغرق في جلد الذات.
فالضمير نُور يوجّهنا لا سوط يعاقبنا.
وتنصح الخبيرة سيرين العوا بعدة خطوات عملية أهمها التصالح مع الماضي و قبول ما لا يمكن تغييره، والنظر إليه كتجربة تعليمية لا كوصمة.
التعبير والكتابة لتفريغ المشاعر حيث الكتابة تساعد الدماغ على تنظيم الذكريات وتخفيف وطأتها.
أيضاً لابدّ من طلب المسامحة أو تقديمها سواء من الآخرين أو من الذات، فالمسامحة تحرر من القيود العاطفية.
كذلك تنمية المهارات الشخصية وتطوير جوانب القوة من خلال التركيز على العطاء من جلد الذات إلى رعاية الذات، ففي مجتمعاتنا الشرقية، يُربّى كثير من الناس على معايير صارمة من الواجب الأخلاقي والديني، ما يجعل البعض أكثر عرضة للشعور بالذنب المفرط، لكن التوازن هو المفتاح.
الخبيرة العوا ترى أن الضمير الذي يذكّرنا بإنسانيتنا هو نعمة، أما الضمير الذي يجلدنا دون رحمة فهو عبء ولا بد من إعادة تربيته على الرحمة والاتزان.
فما بين الندم الصحي وتأنيب الضمير المرضي شعرة دقيقة، والفارق بينهما أن الأول يقود إلى الإصلاح، أما الثاني فيُبقي صاحبه سجين الماضي.
ما يعني أنّ التحرر من الذكريات المؤلمة لا يعني نسيانها، بل تعلّم كيف نحملها بخفة، لا أن نحملها كأحجار على أكتافنا.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة
syriahomenews أخبار سورية الوطن
