سَمّى علماء الفضاء الأوروبيون جبلاً على القمر باسمه، ونَقشت الجمعية الجغرافية الفرنسية اسمه على أحد جدران قاعاتها المخصصة لعلماء الجغرافيا، كما لُقبت مدينة “حماة” باسم “مدينة أبي الفداء” تكريماً له.. فهو العالِمُ الموسوعي والمؤرخ والجغرافي والفلكي البارز، برع في علوم متعددة كالفقه والتفسير والنحو والفلسفة والمنطق والطب والعَروض والأدب والتاريخ… ونال تقديراً عالمياً لإسهاماته العلمية وترك مؤلفات هامة مثل “تاريخ أبي الفداء” وهو كتاب في التاريخ يُعرف بـ”المختصر في أخبار البشر” ويُعتبر تكملة لكتاب “الكامل” لابن الأثير، و”تقويم البلدان”، و”الكُنّاش”، وكتاب في الفلك يسمى “الموازين”…
هو أبو الفداء “عماد الدين إسماعيل بن علي” (672- 732 هـ/ 1273- 1331م)، الملك الأيوبي الذي حكم “حماة” في سورية خلال القرن الرابع عشر الميلادي منذ عام 710هـ (1310م)، واستمر في الحكم حتى وفاته، وعُرف بـ”صاحب حماة” و”الملك المؤيد” و”الملك العالِم”.. دعم العلم والأدب واهتم بتشجيع الشعراء وكان في طليعتهم الشاعر “ابن نُباتة المصري” و”صفيّ الدين الحلي”.. وكذلك العلماء والفقهاء وقرّبهم إليه ورتّب لبعضهم المرتّبات، ما جعل “حماة” مركزاً للعلم والأدب في عصره واهتم بإعادة بنائها وتحسينها عمرانياً.
عاش “أبـو الفداء” في بيئة مليئة بالتحديات والحروب فقد نشـأ في عائلـة ملكية أسّسها السـلطان صلاح الدين الأيوبي منذ سـنة 569هـ في مدن سوريا، وكان والده أمير “حماة” وكان أعمامه وأولاد عمه وجده من أقوى ملوك هذه العائلة وأعقلهم وأحكمهم، وقد ولد في دمشق حينما هربت عائلته من “حماة” إثر إحاطة المغول بها. كُني منذ صغره بـ”أبي الفداء” ولقب بـ”عماد الدين” وبدأ حياته في “حماة” بعد عودة أمه إليها وهو في شهوره الأولى، ومنذ صغره كان مولعاً بالعلوم والآداب فانطلق إلى الدراسة فحفظ القرآن الكريم مبكراً مع عدد من كتب التراث والعلوم والثقافة ودرس الفقه والتفسير والنحو والمنطق والطبّ والتاريخ والعَروض ونظم الموشحات وتدرّب على فنون القتال والصيد والفروسية.. ثمّ رحل إلى مصر فاتصل بالملك الناصر من دولة المماليك فأحبه الناصر وولّاه نائباً له في حمـاة سـنة 710هـ، وجعله ملكاً عليها سنة 712هـ، ثم سلطاناً سنة 720هـ، استطاع استعادة مُلكِ حماة، وأن يعيد المملكة الأيوبية إليها بعد أن أبعِدت عنها اثنتي عشرة سنة، وأن يُخرِج منها عاملها “أُسُنْدمُر” مُرغماً… وفيما بعد، وبعد أن قضى المماليك على الدولة الأيوبية في مصر سنة 648هـ، وفي الشام سنة 658هـ، وأصبح سلطان مصر والشام من المماليك، أضحت حماة مطمحَ أنظار أمرائهم نظراً لتوسطها بين بلاد الشام ولتقدمها العمراني والعلمي والاقتصادي بفضل الملوك الذين تعاقبوا عليها من آل أيوب.
اعتنى “أبو الفداء” بمدينة حماة واستطاع أن يطورها عمرانياً وعلمياً واقتصادياً، ما جعلها تزدهر وتصبح مركزاً مهماً في بلاد الشام، فقد بنى القصور وشيّد الجوامع وحسّن العديد من مبانيها وبنى المدارس التي تجاوز عددها 14 مدرسة، ولعل من أبرز المنشآت التي خلفها “جامع الدهشة” وهو “جامع أبي الفداء” نفسه وقام بتشييد ضريح له في شمالي جامعه ودُفن فيه، وبعد بناء الجامع قام ببناء المربَع والقبة والمئذنة المثمنة والحمام والناعورة غربي الجامع على ساقية نحيلة وجاء هذا كله من أنزه الأماكن وأسماها وأطلق عليها جميعاً اسم “الدهشة” لأن الناظر أو الداخل إليها تأخذه الدهشة والحيرة والذهول لما يشاهد من جمال الموقع وإحكام البناء وحسن الهندسة وبديع الزخرفة والتي لم يبقَ منها إلا جامعها وناعورتها التي تعدّ جزءاً من نظام ري معقد، ما يعكس براعة التخطيط العمراني والهندسي في ذلك الوقت.
كما بنى “الجامع النوري” وأضاف إليه كتلة بناء في شرقه وجعله مدرسة لتدريس الفقه وسُمي هذا الملحق بـ”الـروشن” بعد أن أبقى تحته قبواً لمسير الناس وجلله ببناء رائع يشرف على أجمل مناظر العاصي والنواعير، كما قام بتكليف الأمراء وجنود الجيش بتنظيف قناة الماء بين السلمية وحماة لتوفير سقاية الأراضي والمزروعات بينهما.
ترك أبو الفداء إرثاً ثقافياً عظيماً أثّر في التطور العلمي والثقافي فقد كان جامعاً لأشتات العلوم وصنّف في كل علم تصنيفاً أو تصانيف وخَلفَ للمكتبة العربية بخاصة والإنسانية بعامة 12 كتاباً طبع منها 3 نالت شهرة عالمية كبيرة وكان واحداً من أبرز العلماء والمفكرين في عصره ومن أعظم رجال التاريخ والجغرافيا في تاريخنا العربي والتاريخ الإنساني.
أبو الفداء “صاحب حماة”.. الحاكم العالم والمفكر الموسوعي
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
syriahomenews أخبار سورية الوطن
