يبدو أن ليبيا مقبلة على شتاءٍ ساخن، يحتدم خلاله السباق بين الفرقاء المحليين المتمسكين بمواقعهم في السلطة، والمجتمع الدولي الساعي إلى دفع البلاد نحو صناديق الاقتراع لانتخاب سلطة شرعية جديدة.
فبينما شرعت البعثة الأممية في ليبيا في خطوات لتشكيل “لجنة حوار سياسي موسّع”، يُنظر إليها في الداخل الليبي كبديل محتمل للمتنفذين في السلطة والثروة، ويُعوَّل عليها في حلحلة أزمة طال أمدها، صعّدت سلطة شرق ليبيا من لهجتها ضد التحرك الأممي، في خطوة استباقية أثارت تساؤلات بشأن أهداف هذا التصعيد ومآلاته.
وخلال الأسابيع الأخيرة، سُجّلت تحركات مكثفة من قبل قائد “الجيش الوطني الليبي” خليفة حفتر، ونجليه: صدام، نائب القائد العام، وخالد، رئيس الأركان، نحو القبائل ذات الثقل في شرق ليبيا ووسطها وجنوبها، في خطوة اعتُبرت محاولة لاستقطاب دعمها في مواجهة مساعي تقليص نفوذهم عبر تشكيل لجنة الحوار السياسي.
وكرّر حفتر الأب دعوته إلى الشارع الليبي للتحرك في مواجهة التعثرات المتكررة للمسار السياسي الذي تقوده البعثة الأممية.
وفيما بدا أن لقاءه الأخير مع مشايخ وأعيان قبائل مدينة ترهونة (شمال غرب ليبيا) شكّل اختراقاً لمعسكر خصومه في الغرب، أكد حفتر في كلمته أن ليبيا تمرّ بـ”مرحلة مفصلية”، قائلاً: “آن الأوان لأن يقرر الشعب الليبي مصيره عبر حراك سلمي منظّم. فإما الدولة، وإما الفوضى، إما السيادة، وإما التبعية، إما النهضة والتقدم، وإما الفقر والتخلف”.
وفي إشارة لطمأنة خصومه بأنه لا ينوي التحرك عسكرياً، شدّد حفتر على أن “القيادة العامة للجيش ليست الجهة التي تتخذ القرار الحاسم بشأن مستقبل البلاد، بل الشعب الليبي نفسه”، داعياً مواطنيه إلى “ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم سلمياً وبشكل منظّم، بعيداً من الفوضى والعنف”.
وأضاف أن الشعب الليبي “لا يمكن أن يقبل بأن يتحول وطنه إلى ساحة صراع على السلطة والثروة، أو أن يكون مجالاً مفتوحاً للفساد ونهب المال العام”، معتبراً أن “الوقت قد حان لوقف العبث ووضع حد للفوضى السياسية التي أنهكت البلاد وأفقدتها مقوّمات الدولة”.
بالتوازي، وجّهت حكومة شرق ليبيا “الموازية” اتهامات إلى بعثة الأمم المتحدة بـ”القفز على مراحل خريطة الطريق”، عبر الدعوة إلى تشكيل لجنة الحوار، كما حظرت التعامل المباشر مع أي جهة دولية من دون الرجوع إلى وزارة خارجيتها، منتقدة توجيه البعثة دعوات إلى مؤسسات عامة، بينها الجامعات، لاختيار مرشحين للمشاركة في اللجنة، وعدّت الخطوة “إصراراً على تجاوز القوانين الليبية”.
إلا أن المحلل السياسي الليبي الدكتور محمد محفوظ يُقلّل من أهمية هذا التصعيد، مستبعداً أن يصل إلى حدّ قطع التعاون مع البعثة الأممية.
ويرى محفوظ، في تصريح لـ”النهار”، أن تحركات حفتر الأخيرة تأتي “في إطار الضغط لرفع سقف المطالب وتحقيق أكبر قدر من المكاسب، إذ يرى نفسه الطرف الأقوى في المعادلة، خصوصاً أن خصومه في الغرب مشتتون، وحكومة العاصمة برئاسة عبد الحميد الدبيبة باتت شبه مفككة”، مرجّحاً أن تستمر البعثة الأممية في مسارها “من دون توقف، مع الحرص على إشراك جميع الأطراف في لجنة الحوار”.
أما الناطق باسم “حزب صوت الشعب”، الأكاديمي الليبي عبد السلام القريتلي، فيكشف لـ”النهار” أن تحركات حفتر “ليست مبادرة شخصية، بل تأتي في إطار لقاءات بين النخب الليبية تهدف إلى إطلاق حوار محلي شامل لحل الأزمة السياسية، وفك الارتباط بالبعثة الأممية التي اعتمدت لسنوات نهج إدارة الأزمة لا حلّها”.
ويضيف القريتلي أن “حفتر يسيطر على نحو 80 في المئة من مساحة ليبيا، ويمتلك عتاداً عسكرياً وزخماً دولياً، وبالتالي لا يمكن تجاوز الحوار معه ضمن إطار ليبي – ليبي شامل لإنقاذ البلاد من عثرتها”.
ويشير إلى أن “لقاءات حفتر بالقبائل تشمل أيضاً اجتماعات مع نخب وقيادات حزبية، وكان اجتماعه الأخير مع شيوخ ترهونة قد ضم مجموعات من غرب ليبيا، وأكد خلاله رفضه لما يجري، داعياً إلى وضع حدّ للعبث السياسي”.
ويختم القريتلي قائلاً: “نحن مع أي شخصية، مهما كان اختلافنا معها، تعمل على إنقاذ البلاد”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
