غوى خيرالله
أثارت تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بشأن حصر السلاح بيد الدولة، وخروج التحالف الدولي بحلول عام 2026، الجدل مجدداً في البلاد حيال ملف سلاح الميليشيات، فيما يعكس قوله مساعي الحكومة لتعزيز السيادة الوطنية، وسط توازنات حساسة بين النفوذ الإيراني والوجود الأميركي، مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.
وقال السوداني إن العراق تعهّد بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة، لكن ذلك لن ينجح طالما بقي التحالف بقيادة الولايات المتحدة في البلاد الذي تعتبره بعض الفصائل العراقية قوة احتلال، مؤكّداً أن هناك خطة لا تزال قائمة لخروج التحالف الدولي من العراق، أحد أقرب حلفاء إيران العرب، بحلول أيلول/سبتمبر 2026، لأن تهديد الجماعات الإسلامية المتشددة قد خفّت حدته بشكل كبير.
ويخوض السوداني سباق الانتخابات في منافسة مع أحزاب سياسية راسخة في ائتلافه الحاكم في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي العراقي الدكتور إحسان الشمري لـ”النهار” إن “هذا التصريح فيه إشارات عدة. أولاً، لا يريد السوداني أن يتخلى عن حاضنته الإطار التنسيقي، ولا حتى عن الفصائل المسلّحة التي شكلت حكومته؛ الأمر الآخر أنه يؤمن بأن العودة مرة ثانية إلى رئاسة الوزراء لن تمرّ إلا من خلال الفاعل الشيعي، الاطار التنسيقي. الأمر الثالث هو أنه لا يزال يدرك أن إيران لا تزال فاعلة حتى وإن كان بشكل صامت، وستكون جزءاً مهماً من المعادلة؛ ومن خلال تصريحاته لا يريد إغضابها. الأمر الرابع هو أنه يحاول أن يظهر للولايات المتحدة أنه الرجل الذي يمكن أن يحقق الاشتراطات بحصر السلاح بيد الدولة، لكن وفق مسار جديد هو من يفرضه”.
يحاول العراق إيجاد سبيل لإنجاز مهمة تتسم بالحساسية السياسية، وهي نزع سلاح جماعات مدعومة من إيران، في ظل ضغط من الولايات المتحدة التي قالت إنها تودّ من السوداني تفكيك جماعات مسلّحة مرتبطة بالحشد الشعبي، وهي مؤسسة تنضوي تحت لوائها فصائل شيعية أخرى. والحشد الشعبي منضمّة رسمياً إلى قوات الأمن العراقية، وتشمل عدداً من الجماعات الموالية لإيران.
في الوقت نفسه، اتفقت الولايات المتحدة والعراق على انسحاب مرحليّ للقوات الأميركية، مع توقّع الانسحاب الكامل بنهاية العام المقبل. وبدأ الخفض المبدئي لعدد القوات هذا العام.
ويقول الباحث في الشأن العراقي الدكتور رعد هاشم، لـ”النهار”: “من المؤكد أن تصريح السوداني هو تصريح استباقيّ، يهدف إلى تفادي استغلال الميليشيات لهذا الملف كورقة انتخابية، أو توجيه اتهامات ضدّه بأنه استجاب للمطالب الأميركية والغربية بشأن نزع سلاح الجماعات المسلحة”.
ويضيف: “يبدو أن السوداني أراد من خلال تصريحه توجيه رسالة ضمنية تفيد بأنه قريب من هذا التوجّه، أو أنه لا يمانع السير في مسار نزع السلاح بعد انسحاب قوات التحالف… وأرى أن هذا الخطاب مشابه لخطاب الفصائل المسلحة التي ترفض التخلّي عن سلاحها قبل مغادرة القوات الأميركية، التي تصفها بأنها قوات احتلال. ومع ذلك، فإن السوداني يؤكد – في أغلب الأحيان – أن القوات الأميركية المتبقية هي قوات استشارية، وليست قوات احتلال. لكن تصريحه الأخير يحمل نوعاً من التطمين للفصائل المسلحة، حتى لا تعرقل طموحه إلى تجديد ولاية ثانية، إذا فازت في الانتخابات”.
ويرى هاشم أنها “خطوة تكتيكية من السوداني لاحتواء هذه الجماعات. وهي في الوقت نفسه إشارة إلى إيران بأن موقفه ليس بعيداً عن رؤيتها. فهو يقول ضمناً إنه حين يحصل أي تفاهم أميركي–إيراني، فإنّه المرشح الأقرب إلى هذه الرؤية المتوازنة بين الجانبين”.
ويقول هاشم لـ”النهار”: “أما عن مدى توافقه مع الموقف الأميركي في إطلاق مثل هذه التصريحات، فهناك احتمال أنه يحاول ترتيب أوراقه وفق ما يراه مناسباً. لكن الثابت هو أن موعد انسحاب القوات الأميركية حُدّد لعام 2026 بموجب الاتفاقات القائمة. فالقوات الأميركية منسحبة عملياً، والسؤال المطروح: ما الذي يمنع السوداني من اتخاذ خطوة حسن نية عبر تقليص سلاح بعض الفصائل ولو بشكل محدود؟ مع ذلك، قد تصرّ الولايات المتحدة على أن يتم نزع السلاح أولاً، ثم يكتمل الانسحاب، مما يعيدنا إلى جدلية متكررة يصعب الخروج منها بين الطرفين”.
اكتسبت إيران نفوذاً واسعاً في العراق منذ أن أطاح غزو قادته الولايات المتحدة بصدام حسين في 2003، مما منح جماعات مسلّحة مدعومة من إيران سطوة سياسية وعسكرية ضخمة.
وواجهت حكومات عراقية متعاقبة تحدّيات جمّة للإبقاء على إيران والولايات المتحدة حليفتين لبغداد رغم عدائهما لبعضهما البعض. وتفرض الولايات المتحدة عقوبات صارمة على إيران بينما تربط العراق صلات أعمال وتجارة قوية بطهران.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي فلاح المشعل لـ”النهار”: “الضغط الأميركي على السوداني لحلّ الفصائل المسلّحة، وتسليم سلاحها إلى الدولة، وضع السوداني في حرج شديد، فهو يصرّح حيناً بأهمية أن يكون السلاح تحت سيطرة الدولة وعدم السماح بغير ذلك، ومرة يحاول أن يجد العذر لوجود سلاح الفصائل، ويربط ذلك بوجود قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا. ولا أدري ما علاقة وجود الفصائل المسلحة بوجود قوات دولية جاءت بناءً على طلب العراق إثر أحداث داعش”.
ويضيف: “جرى الاتفاق على مغادرتها نهائياً في العام المقبل، وهي قوات حماية للعراق في أصل وجودها. لكن السوداني يحاول الإمساك بالعصا من الوسط، حتى إنجاز الانتخابات النيابية، والتي يتطلع من خلالها للحصول على دورة رئاسية ثانية، فيما لا يمكن أن تتم من دون موافقة الفصائل، التي تعكس موافقة إيران، وهي إلى الآن اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي العراقي”.
في خضم الجدل الدائر حيال مستقبل السلاح والوجود الاميركي الأجنبي في العراق، تبدو تصريحات السوداني محاولة للتوازن بين الضغوط الداخلية والخارجية. ومع اقتراب الانتخابات، يتوقف مصير مشروعه السياسي على قدرته على كسب ثقة الشارع العراقي وإدارة التناقضات بين واشنطن وطهران.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
