تتجدد الدعوات لرؤية استثمارية جريئة تهدف إلى استثمار الموانئ البحرية على خط الساحل السوري، ما يضع البلاد على خريطة التجارة العالمية.
وتبرز أهمية الموانئ البحرية كشريان حيوي لا غنى عنه لأي اقتصاد وخاصة في سوريا ذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
ويؤكد الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، المهندس باسل كويفي لـ”الحرية”، أن الرقي إلى مصافي الموانئ الإقليمية والعالمية يتطلب جهوداً وإرادة حقيقية.
مشيراً إلى أن الموقع السوري يمكن أن يضع البلاد في طليعة الموانئ، شريطة تطوير البنية التحتية لتكون هذه الموانئ رافداً وداعماً حقيقياً للاقتصاد عبر الترانزيت والمناطق الحرة والمنافذ الجمركية، بالإضافة إلى توفير آلاف فرص العمل.
الاستثمار في الموانئ .. بوابة إضافية لسوريا الجديدة إلى الاقتصاد العالمي
المتطلبات الجغرافية والجيولوجية
ويرى كويفي أن بناء ميناء بحري حديث يتطلب اختيار منطقة ذات مواصفات جغرافية وجيولوجية دقيقة لضمان كفاءته واستدامته. ويجب أن تكون المنطقة سهلة الوصول، ومرتبطة بشبكة طرق عامة، ومستوية قدر الإمكان بتضاريس قليلة، ويفضل أن يكون الامتداد الأفقي للشاطئ قليل الانكسارات والانعطافات، وبمسافة لا تقل عن 3000 متر للموانئ متوسطة الحجم.
كما أن وجود رأس امتداد جانبي يشكل شبه حوض حاضن للميناء يعد ميزة لتقليل وطأة الأمواج.
وخلف الشاطئ، يجب توفر مساحات كبيرة لأغراض الميناء المختلفة كالمخازن، الإدارات، الصوامع، والطرق الداخلية. ولا بد من إحاطة المرفأ بسور وبوابات متصلة بشبكة طرق عامة أو خاصة، مع ضرورة الربط بشبكة السكك الحديدية لتعزيز قدرته اللوجستية.
جيولوجياً، يفضل وجود مناطق ذات طبيعة صخرية على الشاطئ، وهي متوافرة في الساحل السوري بطبقات رسوبية وكلسية قاسية نسبياً. هذه الطبقات تساعد في عملية البناء، وتتحمل الأحمال والأمواج، ويمكن استخدامها في مصدات الأمواج، كما أنها قابلة للتعامل معها هندسياً بالحفر والتشكيل. أما بالنسبة للأمواج، فارتفاعاتها في الشريط الساحلي السوري تقدر بحدود 7 أمتار في معظم الحالات، وهي ارتفاعات مقبولة بعد إنشاء مصدات الأمواج.

بوابة للتجارة العالمية
وكي يصبح الميناء مقصداً لخطوط النقل البحرية العالمية، يجب أن يتمتع بميزات أساسية تشمل مساحة الميناء التي من المفترض أن تزيد على 190 هكتاراً، وشروطاً تتعلق بطول الأرصفة وأعماق المراسي وطول الأرصفة وغيرها. كما يتطلب عمالة مدربة ومحطة حاويات بشروط ومواصفات معينة.
مقترح استثماري
واقترح المهندس كويفي إنشاء ميناء جديد في المنطقة الساحلية، مؤكداً أنه وبناء على دراسات سابقة توجد مناطق ملائمة لإقامة ميناء استثماري حديث.
ويرى كويفي أن هذه المنطقة تحتوي على شبكة طرق قريبة، ومساحات كبيرة لاستخدامها في ساحات التخزين والميناء الجاف ومستودعات التخزين متعددة الاستخدامات. إضافة إلى ذلك، فإن محطات الحاويات متاحة بشكل كبير، وسكة القطار قريبة، وشبكة الطرق العامة متوافرة ويمكن إعادة تأهيلها بعد البدء بالمشروع الحيوي والاستراتيجي.
إمكانيات مهدرة ودروس مستفادة
وتضم سوريا حالياً ثمانية موانئ (اللاذقية، طرطوس، الطاحونة، المصب النفطي، بانياس، جبلة، أرواد، المينا البيضا).
ويُعد ميناء اللاذقية أقدمها وأكبرها، حيث كان قرار إنشائه عام 1950 قراراً سياسياً سيادياً اقتصادياً تنموياً هاماً، إلا أن خطة توسيعه في عام 1980 حولته إلى القطاع العام، الذي لم يستطع مواكبة التطورات بسبب الفساد والبيروقراطية وفقاً لكويفي.
ويضيف: الوضع لم يكن أفضل في مرفأ طرطوس الذي أنشئ عام 1969، حيث أخفقت الحكومات المتعاقبة خلال فترة حكم النظام البائد في استثمار هذه الموانئ بالشكل الصحيح، ولم تعمل على التطوير للاستفادة من الموقع الجيوسياسي المهم. ويبلغ طول الشاطئ السوري الحالي حوالي 185 كم، ويعد من الشواطئ الأكثر استقراراً في شرق المتوسط، مع ظاهرة مد وجزر محدودة.
الفوائد المتوقعة
يحقق الاستثمار في ميناء حديث على الساحل فوائد جمة:
1. اقتصادية: جذب خطوط ملاحية عالمية، زيادة حركة الترانزيت، إنشاء مناطق حرة، وتوفير آلاف فرص العمل.
2. استراتيجية: تعزيز موقع سوريا في الشبكة التجارية العالمية والتحكم بالممرات التجارية، ما يعكس أهمية جيوسياسية كبيرة على الممرات والطرق البرية والبحرية (عسكرية، تجارية، خطوط أنابيب النفط والغاز).
3. لوجستية: تقديم خدمات متكاملة تشمل المناولة، التفريغ، التخزين، إعادة التصدير، الإمداد البحري وتزويد السفن بالوقود، الإصلاح والسحب والقطر، إرشاد السفن، وإعادة تجهيزها فنياً ولوجستياً.
نحو مستقبل واعد
ولضمان نجاح هذا الخطوة يؤكد كويفي ضرورة التعاون مع كبرى الشركات المشغلة لمحطات الحاويات في العالم، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتوفير بيئة قانونية جاذبة للاستثمار تحمي حقوق التملك والحيازة وتداول الأسهم والقطع الأجنبي، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الداعمة.
ويتطلب تحقيق هذه الرؤية تجاوز إخفاقات الماضي، وتبني إرادة سياسية واقتصادية حقيقية، والعمل على توفير بيئة استثمارية جاذبة، بعيداً عن البيروقراطية والفساد. فالموانئ ليست مجرد نقاط عبور، بل هي محركات تنمية شاملة، وبناء ميناء سوري حديث يمكن أن يكون حجر الزاوية في إعادة بناء الاقتصاد السوري وربطه بالعالم.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
