منذ فجر التاريخ، كانت الأنهار شرايين الحياة التي تغذّي الحضارات وتدفع عجلة التقدم البشري.
النهر لم يكن مجرد مصدراً للمياه، بل رمز للهوية الثقافية، والحركة الاقتصادية، والتفاعل البيئي.
نهر الفرات ونهر الأمازون هما مثالان حيّان على هذا الدور الحيوي، لكن على الرغم من التباين الجغرافي والبيئي بينهما، إلا أنهما يشتركان في كونهما مهدين للحضارات ومعركةً مستمرةً بين الإنسان والطبيعة.
اللحظة الراهنة: لحظة القرار
إن التحديات البيئية التي يواجهها كل من نهري الفرات والأمازون تتطلب منا إعادة النظر في علاقتنا بالطبيعة.
فالحفاظ على هذه الأنهار لا يتعلق فقط بالحفاظ على الموارد المائية، بل يتعلق أيضًا بالحفاظ على التراث الثقافي والتنوع البيولوجي الذي تشكله هذه الأنهار.
بين الفرات والأمازون، يعيش الإنسان في عالم من الفرص والتهديدات. إذا لم نتحرك الآن للحفاظ على هذه المعزوفة الطبيعية، فسوف نجد أنفسنا أمام مستقبل لا مكان فيه للحياة التي تعتمد على المياه العذبة.
الفرات.. شريان الحياة والحضارة
وعن رمزية نهر الفرات في مساره الذي يتجاوز 2800 كم يقول مدير مديرية البيئة في دمشق أحمد زيدان: يسير النهر في مجراه القادم من هضبة أرمينيا ماراً بتركيا وسوريا والعراق ليشكل أحد الأعمدة الأساسية للحياة في منطقة الشرق الأوسط.
ويضيف: نهر الفرات لا يمثل مجرد مجرى مائي، بل هو شاهد تاريخي على تطور الإنسان، حيث نشأت على ضفافه أقدم الحضارات مثل حضارات السومريين والبابليين والآشوريين، الذين أسسوا نظمهم الزراعية والمدنية حوله.
كانت الزراعة هي الموروث الأساسي لهذه الحضارات، واستندت في تطورها إلى أنظمة الري المعقدة التي أنشأها الإنسان على ضفاف النهر، ومنذ القدم، كان الفرات رمزاً للخصب والنماء، ومن خلاله استطاعت حضارات بلاد ما بين النهرين بناء أول أهرامات العلم والثقافة.
لكن اليوم، الفرات في مواجهة تحديات هائلة تتراوح بين التلوث و التغير المناخي و الاستنزاف المفرط للموارد المائية، ما يهدد بقاء هذه المعزوفة البيئية التاريخية.
الأمازون: رئة الأرض وموطن التنوع البيولوجي
ويستكمل زيدان حديثه عن المناطق الحيوية في العالم بأنه في الطرف الاخر من العالم وعلى بعد آلاف الكيلومترات من الفرات، يتدفق نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية، ليكون نهراً لا يقلّ أهمية في تشكيل التاريخ الطبيعي للبشرية. ينبع الأمازون من جبال الأنديز في البيرو، ويعبر خلال البرازيل ليصب في المحيط الأطلسي. هو أكبر نهر في العالم من حيث الحجم و التدفق، ويحتل حوضه مساحة تقدر بـ 7 ملايين كيلومتر مربع، ما يمثل 40% من أمريكا الجنوبية. يُعرف الأمازون بكونه رئة الأرض، حيث تنتج غاباته المطيرة أكثر من 20% من الأوكسجين في كوكب الأرض، صحيح أن الفرات هو أصل الحضارة في الشرق الأوسط، لكن الأمازون هو موطن تنوع بيولوجي هائل، يحتضن أكثر من 10% من أنواع الحياة البرية على الأرض. ويتيح الأمازون بيئة مثالية لنمو الغابات المطيرة التي تغطي مساحات شاسعة من الأراضي، وتدعم ملايين الأنواع من النباتات والحيوانات. لكن هذه الغابات المطيرة، التي تُعتبر أهم مورد بيولوجي في العالم، تواجه تهديدات مستمرة من جراء إزالة الغابات و الحرائق، ما يعرض التنوع البيولوجي للخطر.
الظروف المشتركة.. بيئة في خطر
وحول التهديدات البيئية التي تواجه نهري الفرات والأمازون يقول زيدان: التوازن بين الإنسان والطبيعة هو معركة مستمرة، تتطلب إرادة سياسية و تعاوناً دولياً للحفاظ على هذه الموارد الطبيعية. فالفرات يعاني من انخفاض مستويات المياه بسبب السدود و الاستخدام المفرط للموارد، فيما يواجه الأمازون تهديدات مماثلة من جراء الأنشطة البشرية التي تسعى لاستغلال أراضيه.
ومع أن الفرق البيئي بينهما واضح من ناحية أن الفرات في منطقة جافة والأمازون في منطقة رطبة إلا أن التحديات المشتركة تكمن في التلوث و الاستنزاف و تدهور النظام البيئي.
ازدواجية الازدهار والتدهور
ويستكمل زيدان لطالما كان الإنسان في الشرق الأوسط و أمريكا الجنوبية يعتمد على الأنهار لتحقيق الازدهار والنمو. فقد أسس الفرات حضارات مستدامة في بلاد ما بين النهرين، بينما ساعد الأمازون في دعم ثقافات وفِرق محلية، مثل قبائل الهنود الحمر في البرازيل. ومع ذلك، فإن التعامل مع هذه الأنهار كان ولا يزال ازدواجيًا: فمن جهة، يُعتبر النهر رمزًا للوجود والازدهار، ومن جهة أخرى، يُشكل الاستغلال المفرط والتدهور البيئي تهديداً لوجود هذه الأنظمة البيئية.
معزوفة الحضارة.. بين الماضي والمستقبل
بينما يواجه الفرات والأمازون تحديات بيئية، يبقى تاريخهما شاهداً على معزوفة من الحضارة التي نشأت على ضفافهما. الفرات الذي لطالما كان محورًا للحياة في الشرق الأوسط، والأمازون الذي يمثل قلب التنوع البيولوجي في العالم، يظل كلاهما منبعين للثقافة، من جهة، وميدانين صراع مستمر بين الإنسان والطبيعة، من جهة أخرى.
الحفاظ على هذين النهرين هو مسؤولية مشتركة على المستوى الإقليمي والدولي. يجب أن تُبذل جهود أكبر من أجل إدارة الموارد المائية بشكل مستدام، وكذلك العمل على حماية الغابات التي تحيط بالأمازون، من أجل ضمان أن تظل هذه الأنهار قادرة على الاستمرار في تغذية الحياة على كوكب الأرض. توازن الإنسان مع البيئة هو المعادلة الصعبة، ومستقبل النهرين يعتمد على ما إذا كانت الحضارات ستستمر في استنزاف الموارد أو ستتبنى سياسات بيئية مستدامة.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
