مالك صقور
يُضرب المثل دائماً ، عند ذكر الأخوة الأعداء ب “هابيل وقابيل “. وكان توماس مان أول من استخدم هذا المصطلح تحت عنوان ( الأخوة المتصارعين ) ، وقد تكرر هذا في أعماله مثل ( يوسف وإخوته ) و( دكتور فاوستوس ) و ( بودنبروك) ، استخدم توماس مان موضوعة ( الأخوة الأعداء ) ، كرمز دائم في أدبه لتصوير الصراع الداخلي في النفس الأوروبية الحديثة . ففي رواية ( يوسف واخوته ) يعيد توماس مان صياغة قصة النبي يوسف وإخوته التي وردت في التوراة وفي القرآن الكريم ؛ ليجعل منها رمزاً للصراع بين الحسد والمحبة ، بين الإنسان والقدر .
أما في روايته ( دكتور فاوستوس ) ، فالأخوة الأعداء يتحولون إلى صراع بين الفن والأخلاق وبين العبقرية والدمار ، وكان يشير توماس مان إلى انهيار الروح الألمانية أمام النازية .
وفي عام 1950 صدرت رواية كازنتزاكي ( الأخوة الأعداء ) .. تجري أحداث الرواية في قرية يونانية صغيرة أثناء الحرب الأهلية اليونانية بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث ينقسم الشعب بين الشيوعيين والملكيين – أنصار الحكومة . البطلان ميتشاليس و كريستوس – وهما شقيقان : لكن أحدهما يقاتل في صفوف الثوار ( الشيوعيين ) والأخ الثاني يقاتل في صف الجيش الملكي . جعل كازنتزاكي من هذا الصراع رمزاً للصراع بين الروح والمادة بين الخير و الشر بين الحب والكراهية ..
في النهاية ، يدرك الأخوة أن الحرب لا تأتي إلاً بالمآسي والويلات والآلام . وكذلك الأمر : ماجرى في الحرب الأهلية الأسبانية وكانت بين ( الشيوعيين ) و بين الملكيين . اقتتلوا بسبب الانقسام الإيديولوجي بين الدين والحداثة بين اليمين واليسار بين الإيمان والعقل .
ومن الأمثة الحديثة على الحروب الأهلية التي انقلب فيها الطرفان إلى أخوة أعداء : روسيا و أوكرانيا . وبغض النظر عن الأسباب الموجبة لهذه الحرب ، فإنها تُجسّد مقولة ” الأخوة الأعداء ” . فمن يعرف تاريخ روسيا القديم والحديث ، يعرف أن الحرب هذه حرب الأخوة الأعداء .فالروس والأوكران من جذر واحد من عرق واحد هو العرق السلافي . حتى قبل نشوء وتشكل الاتحاد السوفييتي كان الروس والأوكران في بلد واحد عندما كانت العاصمة اسمها ( كييف الروسية ) منذ القرن التاسع الميلادي بقيادة فلاديمير العظيم . ولينين عام 1922 في اثناء تأسيس الاتحاد السوفييتي منح مقاطعة او إقليم أوكرانيا تسمية جمهورية اشتراكية . وفي التاريخ القديم وحتى الحديث منه الرسمي والأدبي كانوا يطلقون على أوكرانيا ( روسيا الصغرى )، ومنهم الأديب الكبير ميخائيل نعيمة . فقد لعبت ومازالت تلعب اليد الخارجية في سكب الزيت على النار ..وما زال الأخوة أبناء الشعب الواحد يدمرون بعضهم بعضاً .
الأخوة الأعداء – أيضا ً في السودان ، ما زال الإقتتال بين أبناء السودان يزداد حدة ، ومازالت معاناة الناس مستمرة : التهجير ، العيش في البراري ، في الخيم ، هذا ماعدا الجوع والعطش والمرض . فالسودان – بكل مكوناته الاجتماعية والقبلية وحتى العسكرية – يعيش في نسيج واحد . والقتال الدائر بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع هو في جوهره صراع بين إخوة السلاح الذين كانوا يقفون يوما في خندق واحد ضد عدو واحد .
الحرب في السودان هذه الأيام تجسد المأساة – التراجيديا بعينها ؛ فالجميع ينتمي إلى الأرض نفسها واللغة نفسها والدين نفسه ، لكن شهوة السلطة من جهة وعدم الوعي من جهة ااخرى جعلهم يتحولون إلى أعداء .
فالصراع هنا ، ليس بين الشعب والإستعمار ، بل الصراع بين أبناء البيت الواحد . فهذه هي التراجيديا المعاصرة للأخوة الأعداء في الوطن العربي .
يقول كازانتزاكي : ” حين ينهار البيت ، لا يعود أحد يتذكر من أشعل النار أولاً ”
(أخبار سوريا الوطن-1)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
