مطر عدوان
تعرّض المتحف الوطني السوري أول من أمس لسرقة ستة تماثيل قديمة. أعلنت وكالة «أسوشيتد برس» ذلك، وبعد إعلانها، تداولت وسائل الإعلام السورية الخبر؛ هل من المعقول أن تعرف وسيلة إعلام أجنبية بخبر كهذا قبل الإعلام المحلي، أو الإعلام الرسمي؟
الخبر ليس بسيطاً أو سهلاً. وليس مُضحِكاً، كما ضحك عشرات الأشخاص على «وسائل الإعلام الجديدة» المُسمّاة «سوشال ميديا». فالسرقة هي استلاب للهوية، السورية ضمنها، بينما في حقيقتها هي هوية المنطقة المتجسّدة بآلاف السنين، وملايين البشر الذين تعاقبوا على هذه البقعة من الأرض، ومليارات البشر في العالم الذين يؤثرون ويتأثّرون، بعضهم ببعض، عبر السنين الطويلة تلك، وحتى نهاية العالم.
من يعرف المتحف الوطني في دمشق، يعرف أن هذه السرقة كبيرة كفاية لتحزن دمشق كلها، حتى حين تعود القطع المنهوبة. فرغم وقع ما حدث وفظاعته، فإن سوريا نفسها باتت تُحزِّن، إذ إن أوضاع الناس ليست جيدة، وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وهذا أمر ليس جديداً على السوريين، فالنظام السابق أسّس لكل هذا الخراب، وهذا الفقر، وهذه المآسي التي تتوالد كل ساعة من دون توقّف. والنظام الحالي ورث إرثاً ثقيلاً من الخراب، لكنه حتى الآن يتصرّف بطريقة لا تشير إلى وجود خبرة في إدارة الدولة ومؤسّساتها.
والمُلاحظ في سلوك الموظفين الجُدد، أنهم يقابلون أيّ انتقاد من أي مواطن كان، بالمقارنة مع النظام السابق، وكأنّ خطايا النظام السابق صكّ غفران جاهز لأي سلوك حالي. ولو أن الأمر كذلك فعلاً، فلماذا أصلاً نُزع نظام الأسد من الحكم، ولماذا قامت عليه ثورة؟
إنّ المقارنة التي يلجأ إليها بعض أهل الحكم اليوم، هي في التفسير، عدم ثقتهم في أنهم يقدّمون أداء يرقى إلى المستوى المطلوب من حكومة الثورة المنتصرة على الطاغية. وفي جانب آخر، يدلّل ذلك على أنهم حتى اللحظة مهتمّون برضى المواطنين عنهم.
الشق الثاني مهم ويجب أن يبقى ويستمر. أمّا الأول، فأسبابه كثيرة، منها مثلاً غياب الدولة في بعض الأماكن، وغياب هيبتها في أماكن أكثر، لدى شرائح كبيرة من المواطنين السوريين، بل وعند عدد كبير من الموظفين التابعين لجهات وفصائل أخرى، بمعنى آخر، شعور هؤلاء العميق بالانتماء إلى فصيلهم الذي «كانوا» ينتمون إليه، وشعورهم الأعمق ربما، بأحقية بعضهم بمواقع أكبر وأعلى، أسوة بآخرين حصلوا على مواقع وامتيازات، وهم لا يمتلكون ما يؤهّلهم لها، كما في العديد من مؤسسات الدولة التي، بالتوازي مع وزيرها أو مديرها، هناك شيخ يوافق أو يرفض أو يعدل، وقراره يسري على الجميع، حتى على بعض الوزراء أو المديرين.
سوريا بلد كبير مترامي الأطراف، هذا من ناحية الجغرافيا، لكنه، وبسبب جغرافيته، فإن حدوده من الناحية السياسية ربما تصل إلى مكاتب صنّاع السياسات في عواصم العالم، وإلى عقول وزراء وقادة الجيوش والاستخبارات في واشنطن وموسكو وأنقرة والدوحة وأبو ظبي والرياض وطهران وباريس وغيرها. وهذا البلد القائم بهذا الشكل، حتى وإن تقسّم كما تريد إسرائيل، سيخفت تأثيره، لكنه لن يتغيّر، لكن كل ذلك يتلاشى بحسب فهم الجالس على كرسي دمشق، ولعل أول ما أطاح ببشار الأسد، عدم إدراكه لتبدّل موازين القوى في العالم، وموقع سوريا في تلك التبدّلات، التي بالمناسبة مستمرة حتى اللحظة، إذ إن حرب أوكرانيا مستمرة، والحرب على غزة لم تضع أوزارها، والأوضاع في لبنان مرشّحة للتدهور في أي لحظة.
وإن كان لجوء الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية، ورئيسها دونالد ترامب، يُشعِر سوريا والسوريين بأنهم دخلوا حيز الأمان، فإن احتمالات التدهور قائمة في أي لحظة، لأسباب عدة، منها أن الصين لم تحسم أمرها من الحكم القائم في دمشق، وروسيا ما زالت في صراع مع أميركا، وإن اتفقتا الآن، فما الضامن أن خلافهما في أوكرانيا لا يُترجم في المدن السورية، في شرق البلاد أو غربها.
سوريا التي غيّبها نظام البعث عن السياسة لعقود، ليست غائبة اليوم، لكنّ شعبها -وبعض مسؤوليها- ما زال يتعامل مع فهم السياسة كفهم جنين خرج لتوّه إلى العالم. ولذلك تمشي الشتائم بين السوريين عند أي خلاف على «وسائل الإعلام الجديدة» وكأن لا لغة أخرى لدى السوريين، والحقيقة أن السوريين شعب محترم وخلوق ولطيف المعشر، وعهد الناس بهم لسانهم الحلو، الذي يُخرِج «الحية من جحرها» كما يقول المثل. لكنّ «الجنين» ريثما يتعلّم النطق، على أهل الحكم العمل بالحكم الرشيد لتهدئة الناس، وإفهامهم بأن سرقة المتحف الوطني، تعني أن اللص الذي سرق المتحف الوطني في دمشق، قرّر انتزاع سوريا من تاريخها، أو العكس، والله أعلم.
* كاتب عربي
أخبار سوريا الوطن١- الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
