كشفت وكالة “رويترز” أن شركتي GE Vernova الأميركية وSiemens Energy الألمانية دخلتا في محادثات لتزويد سوريا بتوربينات غازية ضمن مشروع واسع لإعادة إعمار قطاع الطاقة في البلاد بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب. ويأتي ذلك بعدما وقّعت سوريا في أيار/مايو اتفاقاً مع شركة تابعة لـ”باور إنترناشونال القابضة” القطرية لبناء أربع محطات كهرباء تعمل بتقنية الدورة المركبة بقدرة إجمالية تبلغ 4000 ميغاواط، إضافة إلى مكوّن شمسي بقدرة 1000 ميغاواط، في خطوة تُعدّ الأكبر في مسار إعادة بناء شبكة الكهرباء السورية المنهارة.
من جهة أولى، قد يخفض انخفاض أسعار النفط كلفة توليد الطاقة في المنطقة عموماً، ما يجعل الوقود الأحفوري أكثر تنافسية مقارنة بالطاقة المتجددة. وهذا بدوره قد يدفع الحكومة السورية إلى التركيز أكثر على المحطات الغازية بدلاً من التوسّع السريع في الطاقة الشمسية، لأن تشغيل التوربينات سيكون أقل كلفة في بيئة أسعار طاقة منخفضة.
وهناك تأثير إيجابي آخر محتمل. فانخفاض أسعار النفط قد يُخفّف الضغط المالي على الدول المستوردة للطاقة مثل سوريا، ما يتيح مساحة أوسع لتخصيص التمويل لإعادة الإعمار ومشاريع البنية التحتية. وقد ترى قطر، الشريك الرئيسي في المشروع، في بيئة أسعار النفط المنخفضة فرصة لتعزيز استثماراتها الإقليمية وتنويع مصادر دخلها بعيداً عن الخام.
إضافة إلى ذلك، فإن شركات مثل GE Vernova وSiemens Energy لا تعتمد فقط على مشاريع الطاقة المرتبطة بأسعار النفط، بل تراهن على تحوّل الطاقة العالمي نحو الغاز والطاقة المتجددة كبدائل أنظف وأكثر استدامة. لذلك لا أتوقع أن لا يوقف انخفاض أسعار النفط المشروع، بل قد يدعم التوجه نحو مزيج طاقة أكثر تنوعاً يجمع بين الغاز والطاقة الشمسية كما هو مخطط له في الاتفاق السوري-القطري. باختصار، تراجع أسعار النفط لن يشكل تهديداً مباشراً للمشروع، لكنه قد يغيّر في ترتيب الأولويات وتوقيت التنفيذ. الأثر الأكبر سيظهر في هيكل التمويل وفي مدى استعداد المستثمرين الدوليين لتحمّل أخطار بيئة ما بعد الحرب. أما من منظور استراتيجي، فالمشروع يظل محورياً لإعادة بناء البنية التحتية للطاقة في سوريا، بغض النظر عن اتجاه أسعار النفط على المدى القصير.
يأتي هذا التطوّر في ظلّ تخفيف العقوبات الأميركية أخيراً على دمشق، ما يفتح الباب أمام شركات غربية للعودة إلى السوق السورية بعد عزلة طويلة. ويُتوقع أن تمثل هذه الخطوة تحوّلاً مهماً في مسار العلاقات الاقتصادية بين سوريا والغرب، وخاصة مع دخول شركتين بحجم GE وSiemens إلى مفاوضات بهذا المستوى لتوريد التوربينات الغازية اللازمة للمشروع القطري – السوري المشترك.
وبحسب المعطيات، لا تزال المحادثات في مراحلها الأولية ولم يتم توقيع أي عقود بعد، لكن التوجه العام يعكس رغبة جادة في المضيّ نحو إعادة تأهيل شبكة الكهرباء وتحسين إنتاج الطاقة في البلاد. وتشير التقديرات إلى أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 5 آلاف ميغاواط إضافية لتغطية الطلب المحلي وإعادة إنعاش النشاط الصناعي والخدمي، وخاصة بعد سنوات من الانقطاع المتكرر وضعف الإمدادات.
المشروع في حال تنفيذه لن يقتصر على توريد التوربينات، بل سيشمل بناء محطات جديدة وتحديث البنية التحتية للنقل والتوزيع، وهو ما يتطلب تمويلاً كبيراً وتعاوناً إقليمياً واسعاً. وتعد قطر أحد أبرز الداعمين لهذا المسار عبر شراكات استثمارية تتماشى مع جهودها لتعزيز حضورها في مشاريع إعادة الإعمار الإقليمي. وعلى رغم التفاؤل الذي يرافق هذه التطورات، لا تزال التحديات قائمة، سواء من ناحية الاستقرار السياسي والأمني داخل سوريا، أو من حيث الضمانات القانونية للمستثمرين الأجانب. فحتى مع تخفيف العقوبات، تبقى البيئة الاقتصادية السورية بحاجة إلى إصلاحات عميقة وضمانات للتمويل والحماية القانونية.
إذا نجحت هذه المفاوضات، فستكون خطوة رمزية كبيرة في إعادة دمج سوريا تدريجاً في الاقتصاد الدولي، وتفتح الباب أمام مشاريع أخرى في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة. وستعزز هذه الخطوة من مكانة GE Vernova وSiemens Energy كشركتين محوريتين في جهود إعادة بناء الطاقة في الشرق الأوسط.
* نور البيطار محللة أسواق مالية تعمل في شركة ACY Securities Mena
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
