مهرجان مزدة الدولي للأفلام القصيرة: دورة جديدة تحتفل بالإبداع السينمائي وتكرم الراحلة حميدة الخوجة

تستعد مدينة مزدة الليبية لاستقبال النسخة السادسة من مهرجان مزدة الدولي للأفلام القصيرة، الذي يُعتبر أحد أبرز المحافل السينمائية في العالم العربي، حيث يطل هذا العام ليحمل بين طياته احتفالية خاصة بالفن السابع، وجاءت الدورة الجديدة لتكون امتداداً لرؤية ثقافية رائدة تستشرف المستقبل، معززةً مكانة السينما الليبية على الساحة الدولية.
المهرجان الذي انطلق عام 2016 كمبادرة محلية، وُظّف خلال السنوات الماضية ليصبح منصة عالمية تجذب صُنّاع السينما من مختلف بقاع الأرض، سيُقام هذا العام في عدد من المدن الليبية الكبرى، بدءاً من مزدة، مروراً ببنغازي وطبرق ومصراتة وزوارة. هذه التظاهرة الثقافية التي ستُعرض خلالها أعمال سينمائية متميزة، ستحمل معها الكثير من الأمل والإبداع، بمشاركة أفلام من أكثر من 35 دولة عربية وأجنبية، من بينها سوريا ومصر والسعودية والأردن والكويت وفلسطين ولبنان، بالإضافة إلى دول أخرى من قارات متعددة مثل تركيا وفرنسا وكولومبيا.

400 فيلم في دورة استثنائية

في هذه الدورة، تم استقبال أكثر من 400 فيلم من جميع أنحاء العالم، منها الروائي والوثائقي والكارتوني القصير، حيث جرت عملية تقييم دقيقة للأعمال المقدمة، تولتها لجنة المشاهدة والفرز برئاسة الدكتور حميد العامري، رئيس الجمعية العمانية للسينما، وبمشاركة نخبة من الأسماء السينمائية اللامعة، مثل المخرجة التونسية فدوى المنصوري، والفنانة والمنتجة المصرية رهف الشريف، والمخرجة الفلسطينية فاطمة الخطيب، إضافة إلى المخرجة السورية سحر حجازي والمخرجين العراقي عمار بركات والليبي محمد بيدس.

*الحفاظ على القيم والمجتمع

وفي تصريح خاص لصحيفة الحرية، أكدت الكاتبة والمخرجة السورية سحر حجازي أن عملية فرز الأفلام التي تقدمت للمشاركة كانت شاقة، لكن اللجنة حرصت على اختيار 26 فيلماً فقط للمنافسة، وذلك وفق معايير محددة تضمن الحفاظ على القيم الأخلاقية والمجتمعية. وأضافت حجازي أنه تم استبعاد الأفلام التي ترّوج للطائفية أو الكراهية بين الأديان، بالإضافة إلى الأعمال التي لا تتماشى مع القيم الإنسانية، مع التركيز على تقديم إبداعات تتناغم مع رسائل فنية إنسانية عالمية.

*تكريم “أم المسرح الليبي”

هذا العام، يُكرّم مهرجان مزدة الدولي للأفلام القصيرة واحدة من أرقى الشخصيات الفنية الليبية، وهي الممثلة الراحلة حميدة الخوجة، التي رحلت عن عالمنا تاركة إرثاً فنياً ضخماً جعلها واحدة من أبرز نجمات المسرح الليبي. لم تكن الخوجة مجرد ممثلة، بل كانت رمزاً للثبات والإبداع في مواجهة الصعوبات، وكانت تعرف بلقب “أم المسرح الليبي”. ولدت في قلب الثقافة الليبية، وساهمت بشكل كبير في الدراما والمسرح والإذاعة، وكانت واحدة من أوائل من تحدوا التقاليد الاجتماعية الصارمة والقيود القبلية لتقديم أعمال فنية تعكس الواقع الليبي بتفاصيله المعقدة، وبشخصياته النابضة بالحياة. إن تكريمها في هذه الدورة يأتي تكريماً لمسيرتها الفنية العطرة، ولإسهاماتها التي ألهمت أجيالاً من الفنانين والمبدعين الليبيين.

*ورش عمل وجلسات نقدية

لم تقتصر فعاليات المهرجان على العروض السينمائية فقط، بل يتضمن أيضاً مجموعة من الأنشطة التي تفتح المجال أمام الشباب والمبدعين الجدد للتفاعل والمشاركة. سيشهد المهرجان هذا العام سلسلة من ورش العمل وندوات السينما، إضافة إلى جلسات نقدية حول مختلف الأبعاد الفنية والتقنية للأفلام المشاركة. هذه الأنشطة ستساهم في تعزيز قدرات صُنّاع السينما الشباب في ليبيا والعالم العربي، كما ستوفر فرصة للمبدعين لإبراز أصواتهم والتعبير عن رؤاهم الفنية بحرية تامة.
ويُعد مهرجان مزدة الدولي للأفلام القصيرة، منذ انطلاقته، منارة للإبداع، حيث أصبح نقطة التقاء لثقافات مختلفة، وجسراً لتبادل الخبرات بين السينمائيين من كافة أنحاء العالم. إنه مهرجان يعكس التزاماً قوياً بإبراز القيمة الفنية للسينما العربية، ويقدم فرصة فريدة لطرح قضايا المجتمع والتاريخ والحضارة الإنسانية من خلال لغة الصورة.