رولا فايز خليل
تُعدّ ظاهرة التسوّل واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارًا في سوريا خلال السنوات الأخيرة، حتى أصبحت جزءًا مرئيًا من الحياة اليومية في الشوارع والأسواق وأمام الدوائر الرسمية. وقد تزايدت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ نتيجة الظروف الصعبة التي مرّ بها المجتمع السوري، إضافة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية متداخلة. ولأن التسوّل ليس مجرد سلوك فردي، بل مشكلة اجتماعية معقّدة، فإن فهم هذه الظاهرة وأسبابها وآثارها وطرق الحد منها يُعد خطوة مهمة لمعالجتها بصورة سليمة.
لقد أدّت الأزمات الاقتصادية التي مرت بها سوريا إلى تغيّر جذري في حياة الكثير من الأسر. فقد ارتفعت نسبة الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبح تأمين الاحتياجات الأساسية أمرًا في غاية الصعوبة. ومع تدهور القدرة الشرائية وانخفاض الدخل وارتفاع معدلات البطالة، وجد بعض الأفراد أنفسهم مضطرين لطلب المساعدة في الشوارع للبقاء على قيد الحياة. كذلك أثّرت الحرب على البنية الاقتصادية للبلاد، فتوقفت شركات وأعمال كثيرة، الأمر الذي زاد من حجم البطالة وقلّل فرص العمل المتاحة، خاصة لدى الشباب والفئات الأقل تعليمًا.
كما لعب النزوح الداخلي دورًا كبيرًا في توسّع الظاهرة. فقد فقدت عائلات كثيرة بيوتها وممتلكاتها، ووجدت نفسها في ظروف معيشية شديدة الصعوبة. ومع غياب الدخل وعدم حصول كثير منهم على دعم كافٍ، أصبح التسوّل لدى البعض وسيلة أساسية لتأمين الاحتياجات اليومية. إضافة إلى ذلك، أدّى تفكك بعض الأسر بفعل الحرب، سواء بسبب الوفاة أو السفر أو الاعتقال، إلى ترك الكثير من الأطفال والنساء بلا معيل، مما جعلهم أكثر عرضة للتسوّل أو للاستغلال من قبل جهات أخرى.
ولا يمكن تجاهل وجود شبكات منظّمة تستغل الفقر والحاجة، وتدفع الأطفال والنساء للتسوّل مقابل الحصول على المال. ويزيد هذا الاستغلال من خطورة الظاهرة، لأنها تتحول من حالة فردية إلى عملية منظمة ترعاها جهات تستفيد منها ماديًا. وغالبًا ما تعتمد هذه الشبكات على إشراك الأطفال نظرًا لما يثيرونه من تعاطف لدى المارة، الأمر الذي يضاعف أرباح تلك الجهات.
ولمواجهة هذه الظاهرة، هناك مجموعة من الحلول الممكنة. من أبرزها دعم الأسر الفقيرة عبر برامج حكومية أو مجتمعية تساعد على تأمين الاحتياجات الأساسية دون اللجوء إلى التسوّل. كما يجب توفير فرص عمل مناسبة لذوي الدخل المحدود، وتشجيع المشاريع الصغيرة التي تمنح العائلات مصدر دخل ثابت. ويُعد الاهتمام بالأطفال وإعادتهم إلى المدارس خطوة ضرورية للحد من استغلالهم. كذلك ينبغي تعزيز الرقابة على الشوارع، ومحاسبة الشبكات التي تستغل الفئات الضعيفة. وعلى المجتمع أيضًا دور مهم، إذ يُفضَّل توجيه المساعدات إلى جهات موثوقة بدل تقديم المال مباشرة للمتسوّلين، لأن ذلك قد يسهم في استمرار الظاهرة بدل الحد منها.
في الختام أقول:
إنّ التسوّل في سوريا يعكس عمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المجتمع، ويشكّل عبئًا على استقراره ومسار تنميته. ولا يمكن الحد من انتشاره إلا عبر دعم الفئات المتضررة، وتوفير فرص عمل حقيقية، وتفعيل دور المؤسسات المسؤولة في حماية الفئات الهشة. إن معالجة هذه الظاهرة ضرورة أساسية لبناء مجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على النهوض من آثار الأزمات التي مرّ بها

(أخبار سوريا الوطن-2)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
