الدماغ يرقص مع الموسيقى!

ليست الموسيقى مجرّد خلفية ترافق لحظاتنا اليومية، بل هي ذلك الخيط الخفي الذي يربط القلب بالذاكرة، ويعيد ترتيب الفوضى في عقولنا، ويوقظ فينا ما نظنّ أنّه خمد. واليوم، لم يعد تأثير الموسيقى مجرّد انطباع أو تجربة شخصية، بل أصبح حقيقة علمية تؤكّدها الدراسات.

في دراسة جديدة أُجريت في أستراليا وتابعت أكثر من 10 آلاف شخص فوق السبعين عاماً على مدى عقد كامل، توصّل الباحثون إلى نتيجة لافتة: الأشخاص الذين يستمعون إلى الموسيقى معظم أيام الأسبوع تقلّ لديهم احتمالات الإصابة بالخرف بنسبة 39% مقارنة بأولئك الذين لا يفعلون ذلك.

الدراسة، وهي جزء من مشروع ASPREE الواسع، رصدت تطوّر القدرات الإدراكية لدى المشاركين وتابعتهم من خلال اختبارات سنوية للذاكرة والوظائف المعرفية. وتبيّن أنّ من يلازمون الموسيقى يومياً ليسوا فقط أقل عرضة للخرف، بل يحافظون أيضاً على ذاكرة أقوى وأداء عام أفضل في الوظائف الذهنية.

تشرح الباحثة جوان راين، المشرفة على الدراسة، أنّ النتائج وإن كانت رصدية، إلّا أنّها “مذهلة” وتشير إلى احتمال وجود علاقة مباشرة بين الاستماع للموسيقى وصحة الدماغ.

وتكشف الأبحاث في جامعة برينستون أنّ الدماغ يتفاعل مع الموسيقى بطريقة ساحرة: تنشّط مراكز الحركة، والإحساس، والمشاعر، وحتى المناطق المسؤولة عن التخيل والشرود. وكأنّ الدماغ كلّه يدخل في حالة تعاون جماعي حين يسمع لحناً يحبه.

ولطالما اعتبرت الموسيقى “الدواء الذي لا يكتب في الوصفة”. ومهما تبدّلت الظروف، يبقى الإنسان كائناً لا يحيا بلا موسيقى، تماماً كما لا يحيا بلا هواء. فهل يمكن أن تصبح الموسيقى علاجاً؟

الدراسة الجديدة تقول: نعم، بشكل أو بآخر. إذ إنّ الاستماع المنتظم للموسيقى قد يعمل مثل تمرين للعقل: تحفّز الذكريات، تنشّط المسارات العصبية، وتعيد توصيل المناطق الدماغية ببعضها البعض.

ومع تزايد معدلات الشيخوخة والخوف من فقدان الذاكرة، تتقدّم الموسيقى كحليف غير متوقّع، بسيط ومتاح للجميع. ليس المطلوب نوعاً محدداً من الموسيقى، فالدراسة لم تُحدّد. المهم أن يكون هناك لحن يدخل يومياً إلى يومك.

سواء كنت تسمع الموسيقى لتفرح، أو لتنسى، أو لتتذكّر، أنت تمنح دماغك خدمة لا تقدّر بثمن. وتماماً كما قالت الباحثة راين: “إذا كانت الموسيقى تمنحك المتعة وتحفّز دماغك، فلماذا لا تجعلها عادة يومية؟”.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار