البصل ليس مجرد نكهة في المطبخ، بل كنز غذائي يختزن مركبات فعّالة تحمي القلب والكبد وتقوّي المناعة، هذا النبات البسيط، برائحته النفاذة، يروي قصة طويلة من الفوائد الصحية التي تجعل منه صيدلية طبيعية في متناول الجميع.
ومن هنا ينطلق الدكتور وائل تجور، أخصائي الأمراض العصبية، ليؤكد في حديثه لـ«الحرية» أن البصل يُعد من الأغذية ذات القيمة العلاجية العالية، موضحاً أن تركيبته الكيميائية ترتكز على مجموعة من المركبات النشطة بيولوجياً، وفي مقدمتها مركبات الكبريت العضوية المسؤولة عن رائحته المميزة وقدرته على مكافحة الأكسدة والالتهاب.
وأشار تجور إلى أن الفلافونويدات، مثل الكيرسيتين والأنثوسيانين في الأصناف الحمراء، تمنح البصل خصائص قوية في مواجهة الجذور الحرة، بينما تُسهم المركبات الفينولية والفيتامينات والمعادن المتنوعة في تعزيز قيمته الغذائية، كما لفت إلى دور الألياف، وخصوصاً الفركتانز، في دعم الوظائف الهضمية عبر عملها كبريبايوتك طبيعي.
مضاد للأكسدة
وفي السياق المتعلق بصحة القلب والأوعية الدموية، أوضح الدكتور تجور أن البصل يمتلك تأثيرات ملحوظة في تحسين ضغط الدم نتيجة احتوائه على البوتاسيوم الذي يسهم في ارتخاء جدران الأوعية، إضافة إلى قدرة مركبات الكبريت على تحفيز إنتاج أكسيد النيتريك، وهو العامل الذي يؤكَّد أهميته في توسع الأوعية وتحسين تدفق الدم، كما لفت إلى أن مضادات الأكسدة، وعلى رأسها الكيرسيتين، تحمي البطانة الوعائية من التلف التأكسدي، ما يدعم صحة الجهاز القلبي الوعائي ويجعله أكثر مقاومة للعوامل المؤذية على المدى الطويل.
صحة الجهاز الهضمي
أما فيما يتعلق بصحة الجهاز الهضمي وميكروبيوم الأمعاء، فقد بيّن الدكتور تجور أن البصل يشكّل بيئة داعمة للبكتيريا النافعة بفضل احتوائه على البريبايوتك، موضحاً أن الألياف غير القابلة للهضم تتحول في القولون إلى مصدر غذائي للبكتيريا المفيدة، الأمر الذي يعزز توازنها ويحسّن من حركة الأمعاء، كما يسهم في إنتاج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة التي تُعد أساساً للحفاظ على سلامة خلايا القولون وتقليل مخاطر الاضطرابات الهضمية المزمنة، مضيفاً إن هذا التفاعل الحيوي يعزز امتصاص المعادن المهمة كالكالسيوم.
الحفاظ على كفاءة الكبد
وفيما يخص وظائف الكبد، لفت الدكتور تجور إلى أن البصل لا يعمل على «تنشيط» الكبد بصورة مباشرة، بل يدعمه عبر تعزيز آليات إزالة السموم الطبيعية، وأوضح أن مركبات الكبريت تُفعّل إنزيمات الكبد المسؤولة عن تفكيك المواد الضارة، بينما تعمل مضادات الأكسدة مثل الكيرسيتين وفيتامين C على حماية الخلايا الكبدية من التلف الناتج عن الالتهاب والجذور الحرة، مؤكداً أن هذا الدور الوقائي يشكّل عاملاً أساسياً في الحفاظ على كفاءة الكبد واستقراره الوظيفي.
خصائص مضادة للميكروبات
ويوضح الدكتور تجور قدرة البصل على مقاومة الميكروبات، مشيراً إلى أن للبصل خصائص مضادة للبكتيريا والفطريات، مستنداً إلى ما أظهرته دراسات حول تأثير مركبات الكبريت في تثبيط نمو بعض السلالات البكتيرية الضارة، ولفت إلى أن استخدامه كان راسخاً في الطب التقليدي لعلاج الالتهابات، مع التأكيد على ضرورة مراعاة الاستشارة الطبية في الحالات الحادة التي قد تتطلب تدخلاً علاجياً متخصصاً.
يعزز كفاءة الجهاز المناعي
أما على مستوى الدلائل العلاجية الحديثة، فقد أكد تجور أن تناول البصل بانتظام يرتبط بانخفاض مستويات الكوليسترول الضار وتحسّن الاستجابة الالتهابية، إضافة إلى دوره المحتمل في الحد من مخاطر بعض السرطانات المرتبطة بالجهاز الهضمي والبروستاتا بفضل مركباته الكبريتية ومضادات الأكسدة فيه. كما أوضح أن البصل يسهم في تحسين حساسية الإنسولين وتنظيم سكر الدم، ويعزز كفاءة الجهاز المناعي، لافتاً إلى أن بعض الدراسات تشير إلى أثره الإيجابي في دعم كثافة العظام، خصوصاً لدى النساء بعد انقطاع الطمث.
الاعتدال في الاستهلاك
ومع هذه الفوائد الواسعة، أشار الدكتور تجور إلى ضرورة الانتباه إلى بعض التداخلات الدوائية، موضحاً أن الإفراط في تناوله قد يعزز تأثير أدوية السيولة، ما يزيد خطر النزيف، فيما قد يؤدي تناوله بكميات كبيرة لدى مرضى السكّري الذين يستخدمون العلاج الدوائي إلى انخفاض غير مرغوب فيه في مستويات السكر، كما لفت إلى أن البصل النيئ قد يفاقم أعراض الارتجاع المريئي لدى بعض المرضى، ما يؤثر في فعالية الأدوية المضادة للحموضة.
وفي ختام حديثه، نوّه الدكتور تجور بأن البصل يمثّل مكوّناً غذائياً غنياً بالمركبات الفعالة ذات الأثر الصحي متعدد الأبعاد، إلا أن الاستفادة منه تتطلب الاعتدال في استهلاكه، إضافة إلى مراعاة الحالات المرضية التي قد تستلزم استشارة طبية مسبقة، ولا سيما لدى مستخدمي أدوية سيولة الدم أو أدوية علاج مرض السكّري.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
syriahomenews أخبار سورية الوطن
