| حسن م. يوسف
أعلم أن المتعصبين الأتراك يصنفونني عدواً لهم منذ أن سلطتُ الضوء على ممارسات أجدادهم في الجزء الأول من مسلسل «إخوة التراب»، إلا أنني أعتبر نفسي صديقاً لكل ما هو إنساني وجميل في تركيا، فقد تربيت على أشعار ناظم حكمت وروايات يشار كمال، ويشرفني أن المبدع الكبير عزيز نيسين زارني في بيتي وأجريت معه حواراً طويلاً نشر على صفحتين في جريدة «تشرين». وقد كانت نظرة أجدادنا للأتراك بريئة جداً، فقد استقدمهم الخليفة المعتصم بالله العباسي، لأنهم أخواله، وبنى لهم مدينة سامراء (سُرّ من رأى) في شمال بغداد سنة 835م. وقد أعجب بهم الجاحظ (767م-869م) بعد أن أحسن إليه الفتح بن خاقان الذي كان وزيراً للخليفة العباسي المتوكل، فألف له رسالة بعنوان: «في مناقب الترك وعامة جند الخلافة». وقال في تلك الرسالة: «لو حصلتَ عُمر التركي، وحسبتَ أيامه لوجدتَ جلوسه على ظهر دابّته أكثر من جلوسه على ظهر الأرض»! وهذه المعلومة تنسجم مع حقيقة أنهم قبائل من الرعاة الرحل جاؤوا من آسيا الوسطى في نحو القرن الحادي عشر، وفرضوا وجودهم بقوة السيف على شعوب حوض الأناضول، ومدوا سلطانهم بعد ذلك إلى البلقان والقوقاز والشرق الأوسط.
يعلم متابعي أنني ضد تعميم صفة ما على شعب من الشعوب، لكنني رغم ذلك أستطيع القول بثقة إن الأتراك هم الذين نخروا جسد الدولة العربية وبنوا دولتهم على أنقاضها.
قبل أيام، أرسل لي أحد الأصدقاء مقطع فيديو تظهر فيه طفلة سورية في التاسعة من العمر، تقف في مقدمة قاعة صفٍ مدرسي، فيه نحو ثلاثين تلميذاً. تتكلم الطفلة باللغة التركية مخاطبةً المشاهد بشكل مباشر، وإليكم ترجمة كلامها كما وردت، بما فيها من أخطاء: «الدولة التركية، السلام عليكم. إذا أردنا الحديث بالمنطق، نحن الأطفال السوريين في المدارس التركية، نحن اليوم لا نعرف القراءة والكتابة باللغة العربية، فقط نجيد اللغة التركية قراءة وكتابة، لماذا علمتمونا اللغة التركية وتقول (وتقولوا) لنا اذهبوا إلى سورية كل يوم؟ أنا ونصف مليون طفل سوري ما مصير مستقبلنا، نحن مستقبلنا ضائع، نحن نقول للدولة التركية مستقبلنا في أيديكم، نحن لا نستطيع العودة إلى سورية، فقط نريد منكم الأمان. أنا إنسان».
والحقيقة أن هذا الفيديو أقلقني إلى حد بعيد، لأنه ذكرني بمعطيات بالغة الخطورة وردت في دراسة مهمة عن التتريك بقلم الباحث المهندس الوليد صالح، وإليكم أخطر ما جاء في تلك الدراسة.
احتل الأتراك جرابلس في ريف حلب بتاريخ 24/8/2012، وهذا التاريخ يوافق مرور خمسمئة عام على احتلال السلطان سليم لمدينة حلب في 24/8/1516، وهم يحتلون حالياً مساحة 6000 كم مربع من سورية عدا لواء إسكندرون.
عمد الأتراك بعد سرقة معامل الشيخ نجار والليرمون إلى منع التعامل بالعملة السورية أو أي عملة أخرى غير عملتهم، واستبدلوا أسماء الشوارع والساحات والبلدات التي يحتلونها بأسماء تركية، وضبطوا التوقيت الزمني في البلدات المحتلة مع أنقرة بدلاً من دمشق، ونشروا شركات الموبايل التركية ومنعوا استخدام شرائح شركات المحمول السورية، وأجبروا الناس على استصدار بطاقات هوية من النفوس التركية في أنقرة. كما فرضوا المناهج التركية في المدارس والحضانات، وقاموا بتعيين خطباء ودعاة يتبعون لهم في المساجد. واستولوا على المستشفيات وأتبعوها مباشرة لوزارة الصحة التركية، وأقاموا كليات جامعية في اعزاز والباب وعفرين، تابعة لجامعة عينتاب التركية، كما افتتحوا كليات للطب البشري والعلوم العامة في بلدة الراعي في ريف حلب وفي إدلب، تتبع لجامعة إسطنبول، وحصر التعليم فيها باللغة التركية وبالمناهج التركية. وهذا غيض من فيض.
أعترف أن فيديو الطفلة السورية المتكلمة بالتركية قد هز أعماقي لدرجة أنني رأيت نفسي في الحلم وأنا أقول لها. هم لم يحتضنوكم يا عزيزتي من باب الإنسانية بل أقاموا المخيمات لكم قبل أن تفكروا باللجوء إليهم، لأنهم خططوا لاستقدامكم بغية استخدامكم كحجة لقضم المزيد من أرضكم، فعدو جدي وأجدادكم لا يودني ولا يودكم.
(سيرياهوم نيوز-الوطن25-4-2021)