آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » كِتابُ “عن الموسيقا والموسيقيين”… هل نكرّم مبدعينا قبل رحيلهم؟!

كِتابُ “عن الموسيقا والموسيقيين”… هل نكرّم مبدعينا قبل رحيلهم؟!

يقول عازف البيانو الدكتور غزوان زركلي: “إن الموسيقا تغيّر علاقة الإنسان مع الزمن والمكان لأن المرء ينسى أنه في دمشق أو القاهرة أو موسكو أو برلين ويسبح مع  النغم بحسب دقّاته”.
أستحضر قوله هذا لأنه لا يزال يقدّم أماسيه الموسيقية بعد أكثر من ستين سنةٍ من العطاء، بل ما زال يكتب عن الموسيقا وعوالمها وهمومها بإصرار العاشق، ولأن بين يديّ كتابُهُ المعنون بـ “عن الموسيقا والموسيقيين”، وهو من الإصدارات القديمة نسبياً للهيئة العامة السورية للكتاب، لكنَّ بعضَ الكتبِ مهما تقادَمَ في الزمن يبقى كنزاً معرفياً لا بد من الإشارة إليه، ليس فقط لمحبّي هذا النوع من الدراسات، بل لمتذوقي الموسيقا مهما اختلفت أذواقهم ومعرفتهم الموسيقية.

تعريفٌ لافت!

تتضمن المقدمة تعريفات جديدة لمصطلحات قد تبدو معروفة للناس لكنها غير دقيقة بل متداخلة ومشوشة في ذاكرتهم لذلك من الضروري توضيحها، لكني سأوجزها وأدمجها -باجتهادٍ شخصيٍّ- مع تعريفه للموسيقا التي يقول إنها: اجتماع مادتين، الصوت والزمن، وتكون إما طبيعية كهدير الموج وخبب الخيل وصوت الإنسان، أو صناعية كنشاط بشري يدمج النغم مع الإيقاع عبر قواعد قابلة للقياس… وهذا ما يمكن أن نسميه بالفن الموسيقي أو التدوين الموسيقي (بلغة النوتة) والذي يحمل “معلومةً” إنسانيةً وحياتيةً تخدم البشرَ عبر الأجيال، حاملاً بذرة خلودهم وحلمهم بالبقاء.
ليخلص في نهاية المقدمة إلى تعريفٍ جديد ولافتٍ، على الأقل بالنسبة لي، لـ”الجمال الفنّي” أو لـ “الجميل في الفن” بأنه: “الشعور بالراحة بعد التعب، المصالحة مع أنفسنا بعد النزاع، السكينة بعد التوتر، الاستقرار بعد التشتت، عيشٌ لحياة أخرى تقوم فيها مشاعرنا وأحاسيسنا المستثارة بالموسيقا بنوع من “تطهير” للروح والنفس من خلال هذه التجربة.”

موسيقا كلاسيكية!

في فصل “الموسيقا الكلاسيكية الأوروبية” يتجه الملحن زركلي إلى التخصصية في الحديث عن موسيقيين عالميين احتفى بهم العالم بمناسبة مرور مئتي عام على ولادتهم، واحتفت بهم دمشق أيضاً عبر حفلات في دار الأوبرا وإصدار أعمالهم على CD من عزف الدكتور زركلي نفسه، أمثال فريدريك شوبان الموسيقي الذي وهب روحه لآلة البيانو عزفاً وتأليفاً وتدريساً، بعبقرية أثّرت حتى في شكل آلة البيانو حتى يومنا هذا، والموسيقي الهنغاري فرانز ليست العازف الأسطوري المعلّم والملهم لكل أوروبا وحتى روسيا –بحسب زركلي- عبر “تقاسيمه” أو “ارتجالاته” المتفردة في خلق أسلوب هو بصمته الخاصة المسمّاة “التحويل/Transcription” أي إعادة كتابة أعمال موسيقية أُلفت أصلاً لمجموعات أوركسترالية أو غنائية أو لآلة الأورغن أو لآلتي بيانو أو لبيانو واحد بعازفين و”تحويلها” لتُعزَف على آلة بيانو واحد وبعازف منفرد.
ليصل إلى السؤال الموسيقي الفلسفي الذي تثيره أعمال الروسي موديست موسورغسكي الذي تعتبر رائعته الأوبرالية “بوريس غودونوف” واحدة من أهم وأعظم الأعمال في تاريخ الأوبرا رغم أن كثيرين لا يعرفونها، والسؤال هو:
“هل تستطيع الموسيقا أن “تصوّر” كما هو حال الأدب والرسم؟” أو “ما هي العلاقة بين اللغة السمعية واللغة البصرية؟”
والإجابة بحسب زركلي  وبتصرف مني لمجمل هذا القسم، تقول: إن الموسيقا هي ليست مجرد نقل لما هو بصري ليصبحَ لغةً سمعية، إنما هي بصيرةٌ، و لا تقدِرُ اللوحةُ أن تسمو إلى إبداع الموسيقا لأن هذه الأخيرة تتعلق بوجود الإنسان من عدم وجوده، بل بوجود أمّة كاملة من عدم وجودها!

برعاية الدولة!

في القسم المعنون بـ”الموسيقا في البلدان العربية” يبدو أن المؤلف يستعيد أفكاره المكتوبة منذ عام 2002 والتي بدت غير مترابطة، ولا تطرح إشكالية ما، ولا تتلمس خفايا في الفلسفة الموسيقية كان يمكن لمبدع كالدكتور زركلي أن يستثيرها فينا.
لكنه أضاء على فكرة مهمة جداً هي أن تستمر رعاية الدولة ومؤسساتها الثقافية للعملية الشاقة والطويلة في جمع مؤلفات نادرة وقيّمة لموسيقيين سوريين وعرب كتوثيق لذاكرة وهوية سورية، على الرغم من أنه شخصياً مع صديق له، تكفّلا وتكلّفا عناءَ جمع وطباعة قرص ليزري (CD) يتضمن مؤلفاتٍ لسبعة مؤلفين من (سورية والمغرب ولبنان ومصر) ولكنها بقيت مبادرات فردية لا تشكل حالة توثيق متكاملة وشاملة!

مدارس ثانوية موسيقية!

في الفصل الثالث “الموسيقا في سوريا” يحاول أن يكتب بحنين -لكن “بموضوعية” كما يقول- عن الراحل صلحي الوادي (1934-2007) والذي ارتبطت حياتُه به لمدة 46 سنة كاملة.
تضمن هذا الفصل فكرة مهمة طرحها الدكتور زركلي منذ الثمانينيات مفادها أن يتم تفعيل مرسوم تشريعي يقضي بإحداث “الثانوية الموسيقية” صدر عام ١٩٦٤.
لكن لم يتم تنفيذه، وفكرته أن وجود ثانويات موسيقية في المحافظات السورية كلها تعطي البلد أجيالاً من الموسيقيين قادرين اولاً على الدراسة في المعهد العالي للموسيقا بدمشق، وتالياً على التدريس فيه وفتح آفاق عمل حقيقية لهم بدلاً من الوقوع في دوامات الملاهي التجارية أو الهروب للخارج.

تكريمٌ لائق!

لكن هذا الفصل المؤلف من أربعة مراحل وختام لم يكن فيه ما أوحى إليه في مقدمته أي الرغبة في الحديث عن الراحل صلحي الوادي الذي استمرت صداقتهم كل هذه المدة، إنما تبيّن أن الكاتب يريد قوله حقيقةً هو ما أضمره في جملة بدت معترضة في مقطع الختام كما يلي:
“قد يقول قائل ما علاقة هذا بالأستاذ صلحي الوادي؟ أقول بأن الوقت حان لأن نعطي كل ذي حق حقه، حق الرائد في الإشادة بإيجابياته، وحق الباقين -الذين هم أيضاً زوّارٌ في هذه الحياة وضيوفٌ على وجه الأرض- في تحديد الثغرات وتجديد الطاقات”…
وكأنه يلمّح بغصّة إلى نفسه وإلى حقه في “تحديد الثغرات” بحرية أكبر أو إلى أحقّيته في تكريم لائق وهو لا يزال على قيد الحياة، وقبل أن يعزف القدر مقطوعته النهائية… بعد عمر طويل بالتأكيد.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

الاحتفال بإشهار الملتقى الوطني للثقافة والإبداع في ثقافي طرطوس:مسيرة حافلة بالنشاطات الاجتماعية والثقافية وتكريم العديد من الشخصيات المميزة

      متابعة:هيثم يحيى محمد   شهدت صاله المركز الثقافي العربي بطرطوس ظهر امس حفله اشهار الملتقى الوطني للثقافه والابداع الذي تم تجديد ترخيصه ...