تتبدّل علاقتنا مع الطعام بوتيرة أسرع مما نتخيّل، فننتقل من مطابخٍ كانت تُطهى فيها الوجبة على مهل، إلى أطباق جاهزة تُلتهم على عجل ولا تشبه ذائقتنا ولا بيئتنا الغذائية. وتتسلّل إلى موائدنا مكونات غريبة، عالية الدهون والصوديوم، لتُصبح جزءاً من يومياتنا من دون أن ندرك أن كل لقمة تحمل أثراً صحياً مؤجلاً، وتتسع الهوّة بين ما كنا نأكله وما أصبحنا نستهلكه، لتتحوّل العادات الغذائية إلى معركة صامتة يدفع ثمنها الجسد أولاً.
بين مطابخ الأمس ووجبات اليوم… معركة صامتة على صحة السوريين
التغير في العادات الغذائية لم يكن بريئاً، فالطعام الذي كان يُعدّ في البيوت ويُحفظ في المونة ويعتمد على مكونات محلية، تراجع لصالح خيارات جاهزة تعتمد على الزيوت المهدرجة والمواد الحافظة والمذاقات المصنعة.
ومع الوقت، تحوّل هذا التغيير إلى أزمة صحية صامتة: إرهاق دائم، ضعف مناعة، ارتفاع الوزن، وظهور أمراض لم تكن مألوفة بهذا الشكل قبل عقود.
المطبخ السوري التقليدي وخصوصاً الريفي يكشف نموذجاً غذائياً غنياً بالألياف والفيتامينات والعناصر الطبيعية: البرغل، الحمص، العدس، الزيت البلدي، الخضار الموسمية، والدبس. هذه المكونات كانت تقوم بدور المكملات الغذائية قبل ظهورها في الأسواق.
دهون متخفّية ووجبات جاهزة… بين نكهة السرعة وحقيقة الخطر
الوجبة السريعة تبدو لذيذة وسهلة… لكنها تخفي دهوناً تُعاد تسخينها مراراً، ونسباً عالية من المواد المضافة التي تضع أجهزة الجسم في حالة استنزاف مستمر.
الخطورة لا تقتصر على السعرات العالية، بل تشمل تراكم مركبات ضارة تؤثر على القلب وتزيد الالتهابات المزمنة وتضعف المناعة.
رأي الدكتورة ريتا خليل: المكملات ليست بديلاً عن الطعام الحقيقي…
توضح الدكتورة ريتا خليل، المختصة في الأدوية والمكملات الغذائية:
المشكلة ليست في نقص الفيتامينات، بل في نمط غذائي كامل فقد قيمته.
وتشير إلى أن كثيراً من المكملات لا يُمتص كما يظن الناس، ولا يعوّض غياب الغذاء الطبيعي، خصوصاً مع انتشار الأطعمة الصناعية والدهون المهدرجة.
وتضيف:
ما كان يوفره الغذاء السوري التقليدي من دبس وزيوت طبيعية وبقوليات ومونة منزلية، أصبح الناس يشترونه اليوم على شكل مكملات. العودة إلى طعام نظيف وبسيط أهم بكثير من أي حبة فيتامين.
كيف نعيد التوازن إلى موائدنا؟
طبخة منزلية واحدة يومياً لضبط نوعية الزيت والملح وطريقة الطهي.
تقليل الوجبات الجاهزة للحد من الدهون المتحولة.
العودة إلى الأطباق السورية الصحية مثل المجدّرة والبرغل بالخضار وشوربات العدس.
اختيار المكونات الموسمية والمحلية لضمان جودة أعلى.
نشاط يومي بسيط لمدة 30 دقيقة لتحسين الأيض ودعم صحة الجسم.
عودة إلى أصل الحكاية..
الطعام ليس مجرد نكهة، بل ثقافة وهوية وصحة، ومع اتساع الفجوة بين ما نأكله اليوم وما كان موجوداً في مطابخ الأمس، يبدو واضحاً أن استعادة التوازن تبدأ من العودة إلى الأسس البسيطة: غذاء طبيعي، مكونات نظيفة، ووجبات تشبهنا وتشبه تاريخنا.
قد لا نستطيع العودة تماماً إلى حياة الريف، لكن بإمكاننا استعادة روحها… تلك الروح التي جعلت الطعام دواءً والبساطة سرّ صحةٍ تدوم.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
