آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » “زاهر الخطيب”… الثائر ضدّ الاحتلال والهيمنة والعصيّ على مغريات السلطة وبريق المال

“زاهر الخطيب”… الثائر ضدّ الاحتلال والهيمنة والعصيّ على مغريات السلطة وبريق المال

 

 

 

حسن حردان

 

عندما تكتب عن شخصية قيادية نادرة، مثل أمين عام رابطة الشغيلة الوزير والنائب السابق المناضل زاهر الخطيب، فإنك تكتب عن قائد قرّر أن يعيش الحياة ثائراً ضدّ كلّ ما هو معادٍ للإنسانية في بلده وعلى مستوى الأمة والعالم، ثائراً ضدّ الاحتلال، ضدّ الهيمنة الأجنبية، ضدّ الفساد والفاسدين، ضدّ إغراءات المال، لم تفسده المناصب فظلّ عصامياً حتى العظم الى أن فارق الحياة وهو لا بملك شيئاً من متاع الدنيا، تاركاً إرثاً ثقيلاً من تراثه النضالي لتتعلّم منه الأجيال كيف يكون القائد نبراساً وقدوة في العطاء والتضحية في سبيل وطنه والمستضعفين من أبناء شعبه، رفض أن يتخلى عنهم او المساومة على حقوقهم، رغم كلّ المغريات التي أغدقت عليه من بعض رجالات السلطة الأثرياء، الذين حاولوا شراء موقفه أو سكوته لكن دون جدوى.

زاهر الخطيب أمين عام رابطة الشغيلة، قامة وطنية نادرة في صفائها وصدقها، لم يتراجع او يضعف أمام المناصب أو بريق المال، تمتع بالبصيرة ونقاء المبدأ. فحافظ على سيرته قائداً ثورياً، اختار طريق ودرب النضال بين الفقراء والعمال والفلاحين، على طريق الحرير، وظلّ منارةً للحق والعدالة في زمنٍ تاهت فيه البوصلة وساد فيه الفساد والفاسدين.

لقد كان قائداً ثورياً جسّد قولاً وفعلاً مقولة إنّ “القوة ليست في ما نملك، بل في ما نرفض” عندما يكون الاختيار بين المبادئ، وإغراءات المال.

لذلك لم تكن مباهج الدنيا يوماً غايته. رفض كلّ أشكال النفاق، وغادر مجالس الوجهاء المنافقين والفاسدين، ليظلّ قريباً من نبض الشعب، مُترفعاً عن كلّ ما قد يلوّث يده أو يُقيّد قراره، فظلّ لعقود نائباً، وعُيّن وزيراً للإصلاح الإداري، لكنه خرج من السلطة والنيابة، من دون ان يسجل عليه تهمة او حتى شبهة فساد.. وهو أمر نادر في بلد مثل لبنان… كانت المناصب بالنسبة له أداة خدمة عامة ونضال لتحقيق الأهداف النبيلة، لا غنيمة شخصية، فظلّ عصامياً، ثائراً، يحمل قضيته بثبات خارج أسوار الحكم المتهالكة.. كان إيمانه بالعدالة الاجتماعية أثمن من أيّ صفقات فاسدة، فبات رمزاً للمقاومة الأخلاقية ضدّ كلّ محاولات تدجين القائد الثوري بالمال والسلطة.

إنّ فلسفة زاهر الخطيب الثورية لم تنبع من فراغ، بل ارتوت من معين تراث الثورات العالمية المنتصرة ضدّ الاحتلال والاستعمار والظلم، مستفيداً من دروسها في خدمة قضابا شعبه ووطنه وأمته، وهي دروس كان رفاقه في رابطة الشغيلة ينهلون منها في نضالهم، ويعلّمونها لكلّ منتسب للرابطة ليكونوا قدوة في النضال بين الجماهير.

كان زاهر الخطيب صوتاً مدوياً يصدح في الساحات والمنابر في وجه الفساد المستشري، مُؤمناً بأنّ تحرير الوطن يبدأ بتحرير المواطن من قيود الجهل والفقر والظلم. كانت معركته على الفساد هي الوجه الآخر لمعركته ضدّ الاحتلال، فكلاهما وجهان للهيمنة الصهيونية والغربية الاستعمارية.

لم يقبل بأيّ شكل من أشكال الوصاية. رأى في الاحتلال وفي الهيمنة الأجنبية وجهان لعملة واحدة. لقد كان شعاره أنّ الوطن ليس للبيع او للمساومة، والمقاومة ضدّ المحتلّ حق مقدس، وعندما اشتدّت الهجمة على المقاومة قال قولته الشهيرة من أمام السفارة الأميركية في عوكر: “ننزع عيون من يريد نزع سلاح المقاومة”.

القضية الفلسطينية لم تكن بالنسبة له مجرد قضية إنسانية أو سياسية، بل هي قضية مبدأ ووجود؛ وانّ مقياس العدالة الحقيقية في العالم إنما يكمن في تحرير فلسطين ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية.

فدافع عنها بقوة، مُدركاً أنّ الاحتلال في لبنان والاحتلال في فلسطين هما حلقات مترابطة في سلسلة واحدة من الهيمنة الغربية الاستعمارية، رافضا تجزئة الصراع مع العدو الصهيوني وقوى الاستعمار، فـ “إسرائيل” إنما هي قاعدة استعمارية للهيمنة والسيطرة على الوطن العربي لتجزئته ونهب ثرواته.

لذلك رفضَ رفضاً قاطعاً مشاريع التطبيع والمسَاومة، وتمسَّك بقوة بحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وتقرير مصيره، معتبراً هذا الموقف جزءاً لا يتجزأ من نضاله القومي وهويته الثورية.

رحل القائد الثوري زاهر الخطيب، لكن عزاءنا في رابطة الشغيلة وكلّ محبيه ومن بكوا وحزنوا لرحيله، انه ترك لنا إرثاً زاخراً بالنضال والقيم، وفي أنّ الثورة الحقيقية للتحرير والتغيير والوحدة، وبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، إنما تبدأ من داخلنا، من زهد القائد وعصاميته، وأنّ المبادئ لا تسقط بالتقادم ولا تُشترى بالمال.

لقد علّمنا أنّ الزاهد في دنياه هو الأكثر قدرة على أن يكون ثائراً بلا خوف؛ لأنه لا يملك شيئاً ليخسره إلا قيوده، ولا يطمح لشيء إلا لكرامة وطنه. وهو ما يجعله قائداً خالداً ينهل من معين تراثه، الجيل الحالي وأجيال المستقبل، دروساً في معنى العدالة، والحرية، والسيادة الوطنية الحقة، والوحدة الوطنية المبنية على الانتماء الوطني بعيداً عن الطائفية البغيضة التي لا تزال تمزّق الشعب وتحمي الفاسدين، والنظام الطائفي المولد لكلّ الأزمات…

(أخبار سوريا الوطن1-الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تفويض عالمي لتحقيق العدالة في فلسطين

د. طلال أبوغزاله لقد تحدثت جنوب أفريقيا وماليزيا بعبارات واضحة في الأمم المتحدة، ووجهتا رسالة لا يمكن تجاهلها. لقد انقضى زمن الصمت، وحان وقت التحرك ...