مالك صقور
تناقلت وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي ، نبأ سرقة حصلت في المتحف الوطني في دمشق قبل الإسبوع الماضي ، وقد كان لهذا النبأ وقع مؤلم للكثيرين الكثيرين ليس من السوريين والعرب فحسب بل من الأجانب السواح وعلماء الآثارالذين زاروا دمشق ويعرفون ويقدرون قيمة الآثار وأهميتها .
وفي الوقت الذي يعرف الكثيرون قيمة الآثار وأهميتها ، هناك أيضاً مَنْ لايعرف ماذا تعني الآثار ولماذا يهتم العالم المتمدن الحضري بالآثار ويدفع أغلى الأثمان لشرائها واقتنائها وعرضها في متاحفه . ومن البديهي القول : إن
الآثار- هي الذاكرة الجمعية للشعوب والأمم . وكل نقش وكل تمثال ، وكل قطعة فخار صغيرة أو كبيرة تحمل حكاية وقصة .. تعرفُنا من نحن وكيف عشنا ، وكيف فكر وعمل أجدادنا وأجداد أجدانا .
وعندما تُسرق هذه الآثار ؛ تُسرق ذاكرة الوطن وتُمحى . فالآثار هي التي تمنح الشعوب والأمم شرعيتها الحضارية وهويتها الثقافية . والآثار هي الشاهد الفعلي الذي يثبت أن على هذه الأرض عاشت حضارات ساهمت في بناء الإنسانية . ولهذا فإن الآثار ثروة معرفية تتجاوز قيمة المادة ، من الدولار حتى الذهب والماس . لأن قطعة أثرية واحدة قد تغيّر مفهوماً كاملاً لفترة تاريخية أو تقلب فرضيات علمية . ولهذا يُعدُّ العالمون والعارفون والسياسيون أن الآثار رمز سيادي فمن يملك التاريخ يملك المستقبل . لذلك تتصارع الدول الكبرى ( في الخفاء )على القطع الأثرية النادرة لأنها تمنحها قوة سياسية وثقاقية وحضارية . فسرقة الآثار ليست سرقة ممتلكات وحسب بل اعتداء على السيادة الوطنية القومية الثقافية . والآثار هي جسر بين الشعوب لإنها لغة ليست بحاجة إلى ترجمة .
نعم .. إن الآثار هي ذاكرة الأرض حين تتكلم ؛ والكارثة حين تُباع . فالآثار ليست حجارة نائمة في المتاحف ولا تماثيل صامتة تحت غبار القرون . بل هي في الحقيقة كلمات ساطعة نُحتت ونُقشت على وجه الدهر والزمن والعصر ، هي نبض حضارات مرت من هنا ، وتركت الضوء في عتمة الظلام .
لكن الكارثة الكبرى تبدأ حين يُختزل كل هذا الجلال البهي في “سعرٍ كسلعة ” !! الكارثة ، حين يُصبح التاريخ وزناً في ميزان ، ويُقوّم بالدولار لا بقيمته الفعلية ، عندها لا تبقى الآثار آثاراً ، بل تتحول إلى جثث”حضارية ” تُباع في أسواق الليل ؛ وهنا تكمن الكارثة والمأساة حين تصبح آثار بلد ما أو وطن ما سلعة تعرض للبيع ، ولو عُرضت هذه القطعة الأثرية المسروقة في أعظم المتاحف الأوروبية . وهنا يمكن القول حين يحدث ذلك لأي حضارة سُرقت ، لقد سُرقت ذاكرتها ، أو تتحول هذه الذاكرة من ذاكرة جمعية إلى ” بضاعة ” تُباع وتُشترى . تتحول من شاهد عظيم إلى قطعة تُدفن في تابوت أو صندوق مغلق يُهرب في ظلام الليل عبر الحدود إلى مكان مجهول .
فمن يعنيه أن تُعرض ألواح من أوغاريت أو تماثيل من تدمر في مزاد أوروبي ؟!! إنه يعني ببساطة أن التاريخ صار مطروحاً للبيع ولمن يدفع أكثر . وأصحاب هذا التاريخ المسروق والمعروض في متاحف الغرب ، يصبحون يتامى ومن دون هوية حضارية و ثقافية.
والسؤال الذي يطرح نفسه : اللصوص ، لصوص ومحترفو لصوصية وهم من أبناء البلد ؛ لكن مَنْ الذي يشتري هذه الكنوز التي لا تقدر بثمن ؟! ولمن سيبيعها مرة أخرى ؟ وأي متحف في الغرب سيتباهى بعرضها ؟!!
سيداتي سادتي : إن المتحف الوطني في دمشق – ليس مبنى من حجارة شامية دمشقية عتيقة فحسب ؛ إنه خزان الوجدان السوري ، هو حافظ الذاكرة الوطنية السورية . لذا ، فإن الخبر الذي تردد مؤخراً عن تعرض المتحف الوطني لسرقة بعض كنوزه التي لا تقدر بثمن ، لم يكن مجرد حدث أمني عابر ، بل يُعتبر جرح بليغ حضاري ثقافي أصاب السوريين والعرب وكل الذين يعرفون معنى الآثار وقيمتها وأهميتها . ولن يُشفى هذا الجرح إلاّ بعد محاسبة اللصوص ، واستعادة هذه الكنوز الثمينة .. فهل سيرى أولي الأبصار ..وهل سيعتبر أولي الألباب؟!
(أخبار سوريا الوطن-1)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
