آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » عام على ولادة سوريا الجديدة.. كيف يمكن الانتقال من عام التثبيت إلى عام بداية بناء اقتصاد جديد؟

عام على ولادة سوريا الجديدة.. كيف يمكن الانتقال من عام التثبيت إلى عام بداية بناء اقتصاد جديد؟

بعد عام على انطلاقة سوريا الجديدة والتحوّل الجذري الذي شهدته البلاد بعد أكثر من عقد من الحرب، يُثار الكثير من الأسئلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بما يشمل جميع جوانب الحياة وبما يمس معيشة المواطن، وإذا كانت الكثير من الإجابات يُمكن تحصيلها من خلال الانفتاح الدولي على سوريا والوفود الدبلوماسية وتوقيع مذكرات تفاهم والاستثمارات الخارجية.
لكن يبقى السؤال الاقتصادي كما هو دائماً مُلحاً، أين وصل الاقتصاد السوري بعد عام؟ هل تبلورت هويته بشكلها النهائي أم مازالت غير واضحة المعالم؟ أين وصلت الدبلوماسية السورية الاقتصادية؟ هل حققت المطلوب أم مازال أمامها الكثير من الأشواط؟ وماذا عن إدارة التحوّل؟

– شهدت سوريا خلال عام واحد تحوّلاً حقيقياً في علاقاتها الاقتصادية من خلال استعادة الاعتراف العربي وفتح السفارات واستقبال وفود اقتصادية

– اتجاهات الاقتصاد السوري

بعد عام على انطلاقة سوريا الجديدة، يُجمع الخبراء على أن العام الأول اتسم اقتصادياً بثلاثة اتجاهات رئيسية، يستعرضها الكاتب والباحث الاقتصادي الدكتور ياسين العلي في حديثه لـ«الحرّية»:
١- كبح الانهيار المالي دون استعادة التوازن، حيث توقف الانهيار السريع لليرة السورية وتباطأ التضخم واستعادت الدولة جزءاً من قدرتها على ضبط السوق، لكن دون حلول جذرية، فما زالت مستويات الأسعار مرتفعة، القوة الشرائية منهارة والقطاع المصرفي عاجزاً عن تمويل الإنتاج والدين العام تثقل كاهله سنوات الانهيار، بمعنى آخر الاقتصاد لم يعد ينهار لكنه لم يبدأ بالشفاء بعد.
٢- بداية انكماش اقتصاد الظل لكنه في الواقع ما يزال مهيمناً، إذ إنه مع عودة حضور الدولة وتراجع سيطرة شبكات النفوذ القديمة التي كانت ترتبط بشبكات أو بالأجهزة الأمنية، تقلصت أنشطة التهريب وتجارة الكبتاجون والجبايات غير القانونية والاقتصاد العسكري الموازي، لكن بالحقيقة أن الاقتصاد غير المنظم (اقتصاد الظل) ما يزال أكبر من الاقتصاد الرسمي، وهذا بديهي، فمفرزات عقد ونصف العقد من الحرب لا يُمكن معالجتها بسنة واحدة من الإصلاح.
٣- تحسن محدود في الإنتاج والخدمات، إذ شهدت بعض القطاعات تحسناً ولو كان طفيفاً خصوصاً في الصناعات الغذائية، الطاقة البديلة وأيضاً الخدمات الإلكترونية، لكن هذه التحسينات لم تغير الطبيعة العميقة للاقتصاد السوري الذي ما زال يقوم على البقاء أكثر من النمو.

– الهوية الاقتصادية

ولفت الدكتور العلي إلى أن موضوع الهوية الاقتصادية التي بدأت تتشكل معقد جداً، ويُمكن القول إن الاقتصاد السوري اليوم هو:
*اقتصاد هجين بين إرث الانهيار وضغط الإعمار، فبعد عام من التغيير يمكن رسم ملامح أولية لهوية الاقتصاد السوري بأنه اقتصاد انتقالي، فسوريا اليوم ليست اقتصاد سوق حر ولا اقتصاداً موجهاً ولا اقتصاداً ريعياً خالصاً ولا اقتصاداً إنتاجياً مكتملاً.
..بمعنى آخر، وفقاً للباحث الاقتصادي، هي حالة اقتصادية هجينة تتصارع فيها ثلاث قوى، منطق الدولة الجديدة، منطق السوق الحر غير المنظم ومنطق بقايا البنية الريعية القديمة.
*اقتصاد إعادة الإعمار قبل أن يكون اقتصاد نمو.. فالطلب على الكهرباء والإسكان والبنية التحتية، الطرق وإعادة بناء المرافق، يجعل الاقتصاد السوري اليوم اقتصاد إعادة إعمار بامتياز، لكن لا يوجد إطار واضح لذلك قد تتحول عملية الإعمار إلى إحياء للريعية أو تكريس لنخب جديدة أو تعميق للفجوات الاقتصادية على مستوى المجتمع.
*نشوء نخبة اقتصادية جديدة بعد سقوط شبكات النفوذ المرتبطة بالأجهزة الأمنية القديمة وأجهزة السلطة القديمة، إذ بدأت تظهر نخبة اقتصادية مختلفة مرتبطة بالاستثمار الخليجي وبرأس المال العائد من الخارج، لكن الخطر يكمن في تحوّل هذه النخبة إلى ريعية جديدة إن لم تحكم بقواعد شفافة وواضحة.
*بداية تنوع اقتصادي جديد ظهر لأول مرة منذ سنوات مشاريع في الطاقة البديلة أو الطاقة النظيفة، خدمات رقمية، مناطق اقتصادية خاصة وكل هذه هي بوادر النموذج الاقتصادي مختلف لكنه ما يزال في بدايته.

-الدبلوماسية الاقتصادية حققت إنجازاً واضحاً من خلال كسر العزلة وإعادة سوريا إلى الخريطة المالية والإقليمية، لكنها لم تتحوّل بعد إلى استراتيجية اقتصادية للدولة

-الدبلوماسية الاقتصادية

بالتوازي مع الدبلوماسية السياسية نشأت دبلوماسية اقتصادية إن جاز لنا التعبير، تمكنت من فك العزلة إلى جلب الاستثمار لكن دون استراتيجية متكاملة، كما يرى الدكتور العلي، إذ شهدت سوريا خلال عام واحد تحوّلاً حقيقياً في علاقاتها الاقتصادية من خلال استعادة الاعتراف العربي، العودة إلى الجامعة العربية وتبعها فتح سفارات، استقبال وفود اقتصادية، توقيع مذكرات تفاهم، منح أولوية للاستثمار في سوريا في عدد من العواصم الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة قطر وأيضاً الإمارات العربية المتحدة.
.. إضافة إلى ماسبق، تخفيف الضغوط الدولية بعد تغيير النظام السابق، إذ تراجعت بعض القيود حيث تم تجميد جزئي للعقوبات وأصبح هناك مرونة أكبر في موضوع التحويلات، مع انخراط محدود لمؤسسات التمويل الدولية وبدء نقاشات حول برامج دعم فني وهيكلي بالحكومة السورية، إلى جانب موجة تعهدات استثمارية لكنها ما تزال غير موزعة بشكل عادل وغير محكوم برؤية وطنية شاملة وغير مرتبطة بأهداف تنموية واضحة.
ويوضح الدكتور العلي أن الدبلوماسية الاقتصادية حققت إنجازاً واضحاً من خلال كسر العزلة وإعادة سوريا إلى الخريطة المالية والإقليمية، لكنها لم تتحوّل بعد إلى استراتيجية اقتصادية للدولة.

– إدارة التحوّل هي الأداة الوحيدة التي تحوّل الاستقرار الهش إلى استقرار قابل للنمو والاستثمارات الخارجية إلى اقتصاد إنتاجي والتغيير السياسي إلى تحوّل اقتصادي حقيقي

– إدارة التحوّل

ونوّه الباحث الاقتصادي إلى موضوع غاية في الأهمية وهو مفهوم إدارة التحوّل الذي يعتبر العامل الغائب الذي يحدد مصير العام الثاني، إذ لا يُمكن فهم العام الأول للاقتصاد السوري بدون فهم غياب أو ضعف إدارة التحوّل، لأن إدارة التحوّل ليست برنامجاً إصلاحياً عادياً بل هي إعادة تعريف دور الدولة، إعادة هندسة المؤسسات، بناء منظومات جديدة للحوافز، خلق قواعد منافسة وإعادة توزيع السلطة الاقتصادية.
وتابع العلي: إدارة التحوّل هي الأداة الوحيدة التي تحوّل الاستقرار الهش إلى استقرار قابل للنمو والاستثمارات الخارجية إلى اقتصاد إنتاجي والتغيير السياسي إلى تحوّل اقتصادي حقيقي، فبدون إدارة تحوّل يصبح العام الأول مجرد انتقال سلطوي، في حين مع إدارة التحوّل يصبح العام الثاني بداية بناء اقتصاد جديد.

– الاقتصاد السوري توقف عن الانهيار.. لكنه لم يبدأ بالتعافي البنيوي والهوية الاقتصادية ما تزال انتقالية وهجينة وغير مستقرة

وبناء على ماسبق، يُمكن القول إن الاقتصاد السوري توقف عن الانهيار لكنه لم يبدأ بالتعافي البنيوي، وفقاً للعلي، والهوية الاقتصادية ما تزال انتقالية وهجينة وغير مستقرة كما أن الدبلوماسية الاقتصادية فتحت الأبواب لكنها لم تبنِ استراتيجية تنموية.
..بالمحصلة، فإن إدارة التحوّل هي العامل الذي سيقرر إن كان هذا المسار سيتحوّل إلى مشروع دولة أم إلى إعادة إنتاج غير معلنة للنموذج الاقتصادي القديم.. العام الأول كان عام التثبيت والعام الثاني يجب أن يكون عام التحوّل وما لم تتحوّل سوريا إلى إدارة التحوّل كمنهج لا كعنوان سيبقى اقتصادها واقفاً على حدود التعافي دون دخول أبوابه.

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

المنافذ السورية بين الترقية الإدارية والحاجة إلى إصلاح مؤسسي أعمق: كيف تتحول من عقدة في سلاسل الإمداد إلى عنصر قوة يعيد تنشيط التجارة والصناعة والاستثمار؟

    د. سلمان ريا   يشكّل قرار تحويل هيئة المنافذ البرية والبحرية في سوريا إلى وزارة مستقلة تحولًا بنيويًا يتجاوز الطابع الإداري التقليدي، ليمسّ ...