يرى الخبير الاقتصادي الدكتور ايهاب اسمندر أن “السياسة النقدية” هي أحد أهم أدوات السياسة الاقتصادية الكلية لتحقيق استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي.
لكنه أشار في تصريح لـ”الحرية” إلى وجود فجوة متزايدة بين مؤشرات الاستقرار النقدي السوري الرسمية والواقع المعيشي للمواطنين، واصفاً هذا التباين بـ “وهم الاستقرار”.
موضحاً أن السياسة النقدية تهدف في جوهرها إلى “تعديل عرض النقود في الاقتصاد لتحقيق مزيج من استقرار الأسعار واستقرار الناتج المحلي الإجمالي”، والبنوك المركزية تواجه تحدياً أساسياً يتمثل في موازنة أهداف الأسعار والناتج.
السياسة النقدية ووهم الاستقرار
وبالتالي السؤال هنا، ما هي الآليات النظرية للسياسة النقدية؟ وما هي قنوات انتقالها إلى الاقتصاد الحقيقي؟ وما سبب الانفصال بين الاستقرار النقدي الظاهري، والواقع الاجتماعي؟ والأهم ما هو تقدير التكاليف الاجتماعية الناجمة عنه؟
والإجابة في رأي ” اسمندر” أن السياسة النقدية في جوهرها تهدف إلى “تعديل عرض النقود في الاقتصاد لتحقيق مزيج من استقرار الأسعار، واستقرار الناتج المحلي الإجمالي”، حيث تعمل البنوك المركزية من خلال أدوات مختلفة للتأثير على عرض النقود، وأسعار الفائدة، لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في الأجلين القصير والطويل.
في الأجل الطويل، يكون الناتج المحلي الإجمالي ثابتاً، وأي تغييرات في عرض النقود تؤدي فقط إلى تغييرات في الأسعار، أما في الأجل القصير، ونظراً لأن الأسعار والأجور لا تتكيف فوراً، فإن التغيرات في عرض النقود يمكن أن تؤثر على الإنتاج الفعلي للسلع والخدمات، هذا يجعل السياسة النقدية أداة ذات مغزى لتحقيق أهداف تتعلق بالتضخم والنمو على حد سواء.
خبير اقتصادي: استقرار سعر الصرف لا يعكس الواقع وتآكل القوة الشرائية هو الثمن
قنوات الانتقال وتأثير السياسة النقدية
تواجه السياسة النقدية تحدياً أساسياً يتمثل في موازنة أهداف الأسعار والناتج، حتى البنوك المركزية التي تستهدف التضخم فقط تعترف ضمناً بأنها تهتم أيضاً باستقرار الناتج وإبقاء الاقتصاد قريباً من العمالة الكاملة.
وبالتالي لفهم كيفية تأثير السياسة النقدية على الحياة اليومية للمواطنين، يجب تحليل قنوات الانتقال التي تؤثر من خلالها قرارات البنك المركزي على الاقتصاد الحقيقي.

قناة سعر الفائدة
عندما يشدد البنك المركزي السياسة النقدية، ترتفع تكاليف الاقتراض، ويصبح المستهلكون أقل ميلاً لشراء السلع التي يمولونها عادةً بالاقتراض، مثل المنازل أو السيارات، وتقل احتمالية قيام الشركات بالاستثمار في المعدات الجديدة أو البرامج أو المباني، ينتج عن هذا المستوى المنخفض من النشاط الاقتصادي تضخم أقل لأن الطلب المنخفض يعني عادة انخفاض الأسعار.
الميزانية العمومية
ويرى اسمندر أنه يمكن أن تؤدي زيادات أسعار الفائدة أيضاً إلى تقليل صافي ثروات الشركات والأفراد، ما يجعل من الصعب عليهم التأهل للحصول على القروض بأي سعر فائدة، ما يقلل الإنفاق وضغوط الأسعار.
وعندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، تصبح البنوك أقل ربحية بشكل عام وبالتالي أقل استعداداً للإقراض، هذا يحد من تدفق الائتمان إلى الشركات والأسر، ما يضعف النشاط الاقتصادي.
وهنا تقود أسعار الفائدة المرتفعة إلى ارتفاع قيمة العملة، حيث يسعى المستثمرون الأجانب إلى الحصول على عوائد أعلى ويزيدون طلبهم على العملة، ومن خلال قناة سعر الصرف، تنخفض الصادرات لأنها تصبح أكثر تكلفة، وترتفع الواردات لأنها تصبح أرخص، وينكمش الناتج المحلي الإجمالي.
مظاهر الاستقرار الوهمي
يشير “الاستقرار الوهمي” إلى تلك الحالات التي تظهر فيها المؤشرات النقدية الأساسية استقراراً لا يعكس المعاناة الاقتصادية على مستوى المجتمع، وهنا تظهر مظاهر هذا الاستقرار الوهمي في عدة مجالات منها :
– استقلالية البنك المركزي: وهنا تفترض النماذج التقليدية أن استقلالية البنك المركزي ضرورة ملحة لتحقيق استقرار الأسعار، يستند هذا الاعتقاد إلى الأبحاث الأكاديمية التي شددت على مشكلة “عدم الاتساق الزمني”، حيث يعد صانعو السياسات النقدية الأقل استقلالية عن الحكومة، بانخفاض التضخم للحفاظ على توقعات منخفضة للتضخم بين المستهلكين والشركات، لكنهم قد يجدون صعوبة لاحقاً في مقاومة توسيع المعروض النقدي، ما يقدم “مفاجأة تضخمية”، مع ذلك، في الاقتصادات الهشة، يمكن أن تتحول هذه الاستقلالية إلى فجوة شرعية عندما تُتخذ قرارات السياسة النقدية دون اعتبار كاف للآثار الاجتماعية، ما يضعف الثقة العامة في العملة والنظام المالي.
– استقرار الأسعار مقابل استقرار القوة الشرائية: قد يحقق البنك المركزي استقراراً في سعر الصرف، أو انخفاضاً في معدل التضخم، بينما تستمر القوة الشرائية للمواطنين في التآكل، يحدث هذا عندما لا يصاحب سياسة الانضباط النقدي، إجراءات لتحفيز الإنتاجية والنمو الاقتصادي الحقيقي.
وهنا يمكن القول هناك انفصال واضح في الآليات الهيكلية بين السياسة النقدية والواقع الاجتماعي للسوريين، تظهر من خلال ضعف انتقال السياسة النقدية، والتي تعاني من اختلال هيكلي يمنع وصول تأثيراتها إلى القطاعات الأكثر احتياجاً، حيث تعمل القنوات التقليدية للسياسة النقدية بشكل غير متساوٍ، حيث تصل التسهيلات الائتمانية إلى الشركات الكبيرة والقطاعات غير المنتجة، بينما تظل الشركات الصغيرة والمتوسطة “المولدة لمعظم الوظائف” محرومة من التمويل.
توزيع تأثيرات السياسة النقدية
ويؤكد هنا الخبير الاقتصادي ” اسمندر” أن قرارات السياسة النقدية تؤثر بشكل غير متساوٍ على الشرائح الاجتماعية المختلفة، على سبيل المثال (تفضل السياسات النقدية التوسعية المقترضين على المدخرين، ويمكن أن تؤدي إلى تحويل الدخل من الفقراء إلى الأغنياء عندما تزيد من أسعار الأصول المالية والعقارات التي تتركز ملكيتها في أيدي الأثرياء).
تضخم القطاعات غير القابلة للتداول
والمظهر الآخر هنا يكمن في أنه عندما يتم الحفاظ على استقرار سعر الصرف بشكل مصطنع في بيئة تتميز بضعف الإنتاجية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تضخم أسعار السلع والخدمات في القطاعات غير القابلة للتداول (مثل الإسكان والرعاية الصحية والتعليم)، التي تشكل النسبة الأكبر من إنفاق الأسر منخفضة الدخل.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
