.
سركيس قصارجيان
تُشكّل زيارة الوفد البرلماني التركي لجزيرة إمرالي للقاء زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان خطوة محورية على المستويين السياسي والرمزي في تركيا، في سياق تحركات دقيقة لإدارة ملف حسّاس تتشابك فيه التطورات الداخلية المرتبطة بالقضية الكردية مع المستجدات الإقليمية، وخصوصاً في شمال وشرق سوريا.
وبالنظر إلى تفاصيل الزيارة يتبيّن أنها تتجاوز الخطوة الشكلية إلى كونها عملية سياسية ترتبط بسلسلة من الحسابات الاستراتيجية للدولة التركية، دون إغفال الجانب السياسي الحزبي وعلاقات الأحزاب مع المجتمع المحلي.
زيارة إمرالي: خطوة مفصلية في المسار الكردي التركي
تُمثّل زيارة الوفد البرلماني الذي ضمّ أعضاءً من حزبي الائتلاف الحاكم “العدالة والتنمية” (AKP) و”الحركة القومية” (MHP) وحزب “الديموقراطية ومساواة الشعوب” (DEM) الموالي للأكراد نقطة مفصلية في مسار التعامل الرسمي مع ملف عبد الله أوجلان والجهود السياسية المتصلة بالقضية الكردية.
مقاتلات من حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.(أف ب)
مقاتلات من حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.(أف ب)
خلال الزيارة التي استمرّت نحو ثلاث ساعات، جرى التطرّق إلى محاور دقيقة تتعلق بمستقبل التنظيم الكردي في تركيا وأثره الإقليمي، بما في ذلك العلاقة مع “قسد” وإدارة الملفات في شمال وشرق سوريا.
ووفق المصادر التي تحدّثت معها “النهار” من داخل حزب “ديم” فإن النقاط المطروحة على أوجلان شملت مواقفه السابقة من “السلام والمجتمع الديموقراطي”، واحتمالات حلّ “حزب العمال الكردستاني” أو التخلي عن السلاح، إضافة إلى الاتفاق الذي تمّ بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي في 10 آذار/مارس بسوريا.
يشير هذا التركيز على القضايا الحسّاسة إلى أن الهدف من اللقاء كان الحصول على موقف مباشر من أوجلان تجاه القضايا التي تمسّ مستقبل التنظيم وأثره الإقليمي، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقات مع “قسد” والملفات السورية.
تعكس تشكيلة الوفد، التي جمعت أحزاباً ذات توجّهات مختلفة، رغبة واضحة في منح العملية غطاءً مؤسّساتياً وبرلمانياً، وهو ما كان أحد أهم شروط أوجلان منذ انطلاق المسار، لإضفاء شرعية سياسية عليه.
على الرغم من أهمّية الزيارة، كان الانقسام الحزبي واضحاً، فقد دعمت أحزاب تحالف الشعب الحاكم والحزب الموالي للأكراد الخطوة، بينما امتنعت أحزاب مثل الشعب الجمهوري (المعارضة الأم) وأعضاء تكتل “Yeniyol” (الطريق الجديد) والتيارات اليسارية الأخرى عن المشاركة.
ويُعدّ السجل الرمزي للزيارة جزءاً أساسياً من أهميتها، لكونه سيدّون كلام أوجلان رسمياً في محاضر البرلمان، ما يمنح اللقاء صفة دستورية ويؤكد اعتراف البرلمان بأوجلان ممثلاً شرعياً للقضية الكردية، بعيداً عن التصنيفات السابقة المليئة بالاتهامات مثل “إرهابي” أو “قاتل أطفال”.
الصراع الرمزي بين السلطة والمعارضة
اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن قرار اللجنة البرلمانية بشأن زيارة إمرالي خطوة مهمة لتسريع جهود “تركيا بلا إرهاب”. وأوضح في تصريحات على متن طائرته العائدة من قمة G20 أن عدم مشاركة حزب الشعب الجمهوري في لجنة الزيارة لا يعوق سير العملية.
ويشير موقف أردوغان إلى التزام الدولة التركية بالعملية وحلّ المسائل الكردية ضمن إطار مؤسّساتي، مع إبراز الدور الرمزي للزيارة في تعزيز المصداقية السياسية الداخلية والخارجية.
وعلى النقيض، اختارت قيادة “حزب الشعب الجمهوري” من خلال قرار عدم المشاركة موقفاً حذراً. وأوضح مرشّحه الرئاسي القابع في السجن أكرم إمام أوغلو أن هذا القرار يأتي من حرص الحزب على ألا تستكمل العملية بأساليب لا تحظى بموافقة غالبية المجتمع، مؤكداً التزام الحزب بحلّ القضية الكردية ضمن مسار ديموقراطي شامل وجاد وشفاف.
ويضع الحزب المعارض شروطاً قبل أي خطوات رمزية، أبرزها ضمان خطوات ملموسة نحو الدمقرطة وإشراك المجتمع بفعالية لضمان شرعية العملية. ويعكس القرار حساسية عالية تجاه توقيت الزيارة، خصوصاً مع قرب انعقاد المؤتمر العام للحزب، وإطلاق برنامج يركز على الحقوق الكردية، والتعليم باللغة الأم، ما يوضح حساسية اتجاه الكتلة الناخبة والاتزان الداخلي.
يشدّد “حزب الشعب الجمهوري” على ضرورة التوازن بين دعم العملية الديموقراطية والمشاركة الفعلية ضمن اللجنة وبين عدم الانخراط في خطوات رمزية قد تؤدّي إلى ردود فعل شعبية عكسية.
المسار التركي يؤثر مباشرة على شمال وشرق سوريا
في الوقت الذي يتركز فيه النقاش التركي الداخلي على زيارة إمرالي ولقاء عبد الله أوجلان، يظلّ الملف السوري محوراً رئيسياً يتقاطع مع هذه التطورات، وتجلّى ذلك بشكل واضح من خلال تصريحات قائد “قسد” مظلوم عبدي، حين أكد أن العملية السياسية الجارية في تركيا تمسّ أكراد سوريا مباشرة، وأنهم يسعون لأن يكونوا طرفاً داعماً فيها لا معرقلاً.
وأوضح عبدي خلال لقاء مع وكالة أنباء “ميزوبوتاميا” التركية أن زيارة أوجلان ضرورية لحسم ملفات عالقة بين “قسد” والإدارة التركية، مثل وجود مقاتلين يحملون الجنسية التركية في مناطق الإدارة الذاتية، معتبراً أن أوجلان وحده قادر على حسم هذه الملفات.
وأشار عبدي إلى أن نجاح العملية في تركيا سيؤدي إلى تعزيز استقرار شمال وشرق سوريا، وتحسين بيئة الدمج القانوني والإداري لقوات “قسد” ضمن الجيش السوري، مذكراً باتفاق 10 آذار/ مارس بين “قسد” ودمشق.
وتمثّل زيارة إمرالي خطوة محورية لكن لا تزال ثمة تحديات كبيرة لجهة التوازن بين الرمزية والواقعية، فالزيارة مهمة رمزياً، لكنها تحتاج إلى خطوات عملية ملموسة لتعزيز المصداقية الشعبية والثقة بالعملية الديموقراطية، ومواقف الأحزاب المتباينة تبرز حساسية القرارات السياسية حول القضية الكردية في الحسابات الداخلية، وأيّ تقدم في المسار التركي سينعكس مباشرة على شمال وشرق سوريا ومسألة دمج “قسد” وتطبيق الاتفاقات وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
