آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » تداعيات إقرار أميركا بانتصار روسيا وهزيمة أوكرانيا والغرب

تداعيات إقرار أميركا بانتصار روسيا وهزيمة أوكرانيا والغرب

 

حسن حردان

حسمت مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نتيجة الحرب في أوكرانيا، لصالح الإقرار بانتصار روسيا وهزيمة أوكرانيا بخضوعها لشروط روسية قاسية، كخسارة مناطق واسعة في الدونباس وخاركيف وخيرسون وزابورجيا، وتغيير النظام ونزع السلاح وتحييدها، ومن ورائها الدول الغربية في عدم قدرتها على منع هذا السيناريو الذي سلّمت به واشنطن، ولهذا سيكون للإقرار بهذه النتيجة، عاجلاً أم آجلاً، تداعيات استراتيجية وجيوسياسية عميقة على النظام الدولي بأكمله، وليس فقط على أوروبا… باعتبار انّ من وقف وراء تشجيع النظام الأوكراني على رفض تطبيق اتفاق مينسك لحلّ الأزمة بين كييف وموسكو على قاعدة إعطاء الحكم الذاتي لإقليم الدونباس ذات الغالبية الروسية، هو الغرب بقيادة أميركا، باعتراف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل.
وبالقدر الذي كانت فيه أميركا وحلفاؤها يسعون الى إضعاف روسيا وإلغاء دورها المتعاظم على الساحة الدولية تمهيداً للاستدارة باتجاه محاصرة الصين وتحجيم دورها، فإنّ خروح روسيا من هذه الحرب منتصرة سيعني ازدياد قوّتها ونفوذها على الساحة الدولية وتعزيز قوة التحالف الروسي الصيني الساعي الى بناء نظام عالمي جديد يقوم على التعددية والتشاركية، بديلاً لنظام القطب الأوحد الذي تهيمن فيه أميركا على العالم.
لذلك من المنتظر ان تكون لذلك تداعيات جيوسياسية على النطام الدولي، وعلى أوروبا وأوكرانيا، تتمثل في ما يلي:
أولاً، إحداث تغيير في موازين القوى العالمية، حيث سيعزز انتصار روسيا بشكل كبير طموحها ونفوذها في أوروبا الشرقية لحماية امنها القومي، واستطراداً في العالم.
ثانياً، سيادة أزمة ثقة في قدرة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة على مواجهة روسيا وتحجيم دورها، وسيُنظر إلى هذا الفشل على أنه ضعف في الإرادة الغربية وفي فعالية العقوبات و”حرب الوكالة”، التي استخدمت ضدّ روسيا وأخفقت إخفاقاً واضحاً في تحقيق أهدافها في إضعاف وإخضاع روسيا.
ثالثاً، هذه النتيجة للحرب في أوكرانيا، ستعطي ضوءاً أخضر محتملاً للصين، التي ستستنتج أنّ التحالف الغربي بات هشاً وغير قادر على مواجهة روسيا فكيف به في مواجهة الصين وروسيا معاً، مما قد يشجع بكين على اتخاذ إجراءات أكثر جرأة تجاه تايوان لإعادتها الى الوطن الام، وفق مبدأ الصين الواحدة.
رابعاً، تراجع مكانة الولايات المتحدة، حيث من المتوقع ان تتضرّر مصداقية الولايات المتحدة كقوة مهيمنة ومتحكمة بالنظام الأمني العالمي، خاصة في عيون حلفائها الأوروبيين والآسيويين، الذين قد يبدأون بالبحث عن خيارات أمنية بديلة، أو تقارب مع روسيا والصين.
خامساً، توسع دائرة نفوذ روسيا التي ستصبح أقرب جغرافياً إلى قلب أوروبا. فالدول المتاخمة لروسيا (خاصة دول البلطيق وبولندا) ستشعر بأنّ وجودها بات مهدّداً، على الرغم من موسكو لم يصدر عنها ما يشير الى ذلك، مما الدول المذكورة الى زيادة هائلة في الإنفاق العسكري الأوروبي.
سادساً، نشوب أزمة الثقة في حلف الناتو، مصدرها التساؤلات الجدية التي ستثار حول المادة الخامسة من معاهدة الناتو (الدفاع المشترك)، بشأن الفشل في حماية شريك أساسي مثل أوكرانيا، الأمر الذي سيضعف الثقة في قدرة الحلف على الدفاع عن أعضائه.
سابعاً، الاستنزاف الاقتصادي لأوروبا، حيث ستجبر الأخيرة على تحمّل العبء الأكبر من المساعدات الإنسانية وإعادة بناء أوكرانيا الممزقة (التي قد تظلّ جزئياً في منطقة نفوذ روسي)، بالإضافة إلى تحمّل تكلفة زيادة إنفاقها الدفاعي.. بعد ان تحمّلت عبء تمويل وتزويد أوكرانيا بالسلاح الذخيرة خلال سنوات الحرب مما فاقم أزمات الدول الغربية المالية والاقتصادية والاجتماعية.
ثامناً، قد يؤدي الشعور بالهزيمة والخسائر الاقتصادية إلى تعزيز الحركات الشعبوية واليمينية المتطرفة في أوروبا، والتي قد تدعو إلى خفض المساعدات، أو حتى الانسحاب من الناتو والتقارب مع موسكو، مما يزيد الانقسام الأوروبي الداخلي.
أما بالنسبة لأوكرانيا فإنّ تطبيق سيناريو الهزيمة والاستسلام، سيؤدّي الى خسارة أجزاء كبيرة من أراضيها، مما قد يقود الى تغيير النظام في كييف وتشكيل حكومة حليفة لروسيا، ونزع سلاح الجيش الأوكراني وتقييد قدراته العسكرية (سيناريو “نزع السلاح والتحييد” الذي تطالب به روسيا).
اضافة الى ذلك من المحتمل أن تعود أوكرانيا الى الحضن الروسي، او تتحوّل إلى دولة مفككة، او تنشب فيها صراعات على خلفية نتائج الحرب الكارثية مما يدخلها في حالة عدم استقرار لفترة طويلة.
باختصار انّ انتصار روسيا في أوكرانيا دون تعديلات جوهرية على شروط السلام التي وردت في مبادرة ترامب يعني فعلياً، تفكيك النظام الأمني الأوروبي ما بعد الحرب الباردة، وإحياء حقبة “مناطق النفوذ” العسكرية، وتحدي مصداقية الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة، مما يوفر المزيد من الظروف التي تعزز السعي الروسي الصيني الى بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، بدعم كبير من معظم دول العالم التي تعاني من نظام الهيمنة الأميركي الأحادي القطب وتتوق الى وضع نهاية
(أخبار سوريا الوطن 2-الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حين يختبئ الإخوان خلف البندقية: القصة الحقيقية لحرب السودان

  عبد المنعم سليمان           في اللحظة التي يتوهّم فيها البعض أنّ الحرب في السودان مجرد نزاع بين جيش نظامي ومليشيا ...