لُجين عصام سليمان
من الصعب تقييم المظاهرات التي حصلت منذ يومين من قبل أبناء الساحل السوري إذ تكرر مشهد 2011 ذاته، لم يُناقش موضوع المطالب فيما إذا كانت محقّة أم لا، فقط نُظر إلى الأمر على أنه مشكلة طائفية، فالطائفة أصبحت قيد يمنع أي فرد من النظر إلى الآخر خارج حاجز الانتماء الطائفي، بات الانتماء الطائفي يمنع الإنسان من أن يرى وجع الآخر، فكيف لمن طلب التخلص من ظلم الأسد أن يسكت على الظلم مرة أخرى؟ هو بالفعل سؤال يستحق البحث مليا. أما السؤال الآخر فهو لماذا لم تتمكن أي نخب علمانية ومدنية من إنزال الناس إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها. لماذا لم تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من جمع الناس على آلامها، لا سيما وأنه اليوم في سوريا، لا يوجد ناج فالكل ضحية، بمن فيهم الذين يعتقدون أن فرصة الانتقام حاضرة بمجرد انقضاء عهد الأسد، فالمنتقم هو ضحية لماضيه أيضا.
للإجابة عن السؤال الأول لا بد من استحضار مشهد عام 2011 عندما خرج كثيرون بمطالب محقة (على الرغم من وجود دوافع طائفية أيضا)، عندها نوقش الأمر من وجهة نظر الانتماء الطائفي بتحريض من السلطة فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من وجود انقسامات على الساحة السورية على أساس مؤيد و معارض، إلا أنه وعلى المستوى الشعبي كان الانقسام على أساس طائفي بالدرجة الأولى، وعلى أساس الشعور بالألم من قبل من يتعرض له فقط على مبدأ “لا يؤلم الجرح إلا من به ألم”، إذ كان كل طرف يجرّم الآخر وفقا لانتمائه دون محاولة الاقتراب من مأساته أو فهمها، هو بالمختصر “تصنيف وفقا للانتماء، وليس أي انتماء، إنه انتماء الطائفة”.
اليوم وفي نهاية الـ 2025 يتكرر المشهد ذاته ولكن بالعكس، فئة من السوريين لديها مطالب محقة، لديها معتقلين في السجون لم يُسمع عنهم أي شيء، لديها عاطلين عن العمل لأنه قد تمّ فصلهم بشكل تعسّفي، لديها معطيات تستحق الحوار، إلا أنه وبعقلية بدائية بسيطة ساذجة تم توجيه اتهامات لها على أنها تريد التخريب والقضاء على مستقبل سوريا، تماما كما حصل في الـ 2011 عندما اتُهم جميع المتظاهرين بأنهم مخرّبون، وذلك لسبب جوهري أنه لا أحد ينظر خارج الطائف.
يُذكّر ما سبق بجهات الاتحاد الأوروبي ومنظمات المجتمع المدني على استضافة السوريين ودعوتهم لحضور مجتمعات ومؤتمرات مع تصنيفهم وفقا لانتماءاتهم الطائفية، إذ كانت تدعى الوفود بناء على طوائفها حتى ولو لم تكن مؤمنة بهذا النوع من الانتماءات. وقد استُنكر هذا الأمر من قبل عدد كبير من السوريين العلمانيين المؤمنين بسوريا المتنوعة. كانت تُذكر عندها فكرة مفادها: “سوريا محكومة بقبضة أمنية والفسيفساء قناع بعثي اخترعه حزب البعث، ولذلك التمثيل الطائفي يبقى الأكثر واقعية”. وبالفعل بعد عام 2011 وخروج التظاهرات، بدأ يظهر كم التناقض القائم على أساس الانتماء الطائفي قبل أي تقييم عقلي، وهو ما يُرسخّ فكرتين الأولى أن الجهات الخارجية لا ترانا سوى أرقاما ضمن قبائل وطوائف وعشائر، والثاني هو أن الأنظمة الحاكمة لم ترد لعقلية الإنسان البدائية أن ترتقي إلى عقلية أكثر حضارة وتقدما، وفي كلا الحالتين يمكن تصنيف الأمر على أنه مأزق حضاري كبير.
أما السؤال الثاني والذي يتعلق بالنخب التي لا تملك قاعدة شعبية والتي ابتعدت عن المشهد لأسباب متعددة قد تكون أن تلك الشخصيات التي تُصنّف بشكل رسمي على أنها نخب، هي شخصيات من إفرازات سلطوية، إفرازات أنظمة طائفية قمعية تسلطية، تُمثّل على الناس ولا تُنصفها، والمواطن وبعقله غير الواعي (وهو الأكثر رسوخا) يستطيع وبكل بساطة التمييز بين من يُمثّل عليه وبين من يُمثّله. وعلى اعتبار أن كل جماعة بحاجة إلى انتماء، انتماء يُشعرها بالأمان تعود الطائفة لتحتلّ المكان الأبرز على اعتبار أنه المكان الأكثر أمانا، وبذلك نعود لنرى مظالم الآخر أنها قائمة على أساس طائفته بما يُبعدنا عن أن نكون بشرا.
أخيرا وبعيدا عن كلّ ما سبق، لا نجاة لسوريا سوى باعتماد مبدأ: “لا غالب ولا مغلوب، فالجميع كان ضحية، والناج الوحيد لم يظهر بعد ما دام السلوك قائما على عقلية ماضوية ”
على الهامش: أنا ضد أي مجلس طائفي وضد أي قيادة طائفية، وضد أي تحركات انفصالية ومع وحدة سوريا
(اخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتبة)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
