آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » العدالة الانتقالية في سوريا.. كيف تسهم في تحقيق السلم الأهلي؟

العدالة الانتقالية في سوريا.. كيف تسهم في تحقيق السلم الأهلي؟

عاصم الزعبي:

 

بعد سقوط نظام الأسد، مع نهاية العام الماضي 2024، وتشكيل حكومة جديدة، بدأ آلاف السوريين يترقبون انطلاق مسار للعدالة الانتقالية التي طالما كانت أحد أهداف الثورة السورية، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا، سواء بالقتل خارج القانون، أو الموت تحت التعذيب، أو الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، أو التهجير.

 

لم يُخفِ السوريون غضبهم من مرتكبي الانتهاكات ممن كانوا في صفوف قوات نظام الأسد المخلوع وأجهزته الأمنية، ورغبتهم في محاسبتهم، ليكون مطلب المحاسبة أول المطالب التي نادى بها السوريون منذ اليوم الأول لسقوط الأسد المخلوع، بهدف أن تكون المحاسبة جزءاً مهماً من بناء الدولة الجديدة، بعيداً عن اللجوء إلى الانتقام كوسيلة فردية أو جماعية من هؤلاء الأشخاص، لن تؤدي بطبيعة الحال إلى الاستقرار.

 

بعد مرور عام على سقوط الأسد المخلوع، لا تزال فكرة المحاسبة قائمة، على الرغم من تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية لم تبدأ عملها بعد، ولم يتم سن قوانين خاصة بها، كما لم يتم تشكيل محاكم خاصة، أو تحويل مسار العدالة الانتقالية نحو المحاكم العادية لكن بقوانين خاصة بها، ليترك هذا التأخير تساؤلات عديدة ويولد مشكلات مختلفة لدى السوريين، وهو ما استطلعته صحيفة “الثورة السورية” خلال لقائها مع العديد من أهالي الضحايا، وهنا طرحنا الفاصلة الأولى.

 

ما العدالة الانتقالية؟

تُعرّف العدالة الانتقالية بأنها مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تطبقها الدولة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

 

وتتضمن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، وأشكالاً متنوعة من إصلاح المؤسسات، كما أن العدالة الانتقالية تأتي كمقاربة لتحقيق العدالة في الفترات الانتقالية بعد النزاعات أو القمع الذي تمارسه الدولة، من خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض للضحايا.

 

كما تقدم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا، وتشجع الثقة المدنية، وتقوي سيادة القانون والديمقراطية.

 

وللعدالة الانتقالية أهمية كبيرة، فهي لا تقتصر على الضحايا وذويهم فقط، بل تؤثر في المجتمع بشكل كامل.

 

ولذلك، فمن واجب الدولة أن تضمن عدم تكرار تلك الانتهاكات، وفي ذلك واجب خاص يقضي بإصلاح مؤسسات إما كانت لها يد في الانتهاكات، وإما عجزت عن تفاديها.

 

هيئة العدالة الانتقالية.. عمل محدود؟

بتاريخ 17 أيار/مايو 2025، تم إصدار مرسومين رئاسيين ينصان على إنشاء هيئتين حكوميتين جديدتين في سوريا: “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، و”الهيئة الوطنية للمفقودين”، وهو ما تم اعتباره نقطة تحول غير مسبوقة في مسألة العدالة والمحاسبة في سوريا، في كشف الانتهاكات وتحقيق عملية المساءلة تجاهها.

 

تتمتع “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” بصلاحيات محاسبة رموز النظام السابق، وعلى رأسهم بشار الأسد، وكافة مسؤولي نظامه العسكريين والمدنيين، ممن ساهموا في ارتكاب جرائم وانتهاكات بحق السوريين منذ انطلاق الثورة السورية في آذار/مارس 2011 حتى سقوط نظامه نهاية العام 2024.

 

تسعى الهيئة، بحسب القائمين عليها، إلى الكشف عن الحقائق حول الانتهاكات التي تسبب بها نظام الأسد المخلوع، وتوثيق الانتهاكات وفق المعايير الدولية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا.

 

لكن على الرغم من مرور عدة أشهر منذ تأسيس “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، فإن السوريين لم يشهدوا حتى الآن تحولات في مسار العدالة تفضي إلى محاسبة رموز نظام الأسد المخلوع، ولم تظهر النتائج التي ينادون بها منذ سقوطه.

 

يرى المعتصم الكيلاني، المختص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، في حديثه لصحيفة “الثورة السورية”، أن العمل الفعلي للهيئة على الأرض لا يزال محدوداً جداً حتى الآن، وأن التغيير بقي شكلياً أكثر مما هو عملي.

 

فالهيئة لم تطلق بعد الخطوات التي تعد أساساً لدورها وعملها، مثل: “وضع خطة وطنية متكاملة لمسار العدالة الانتقالية تبدأ بكشف الحقيقة، وبدء برامج حقيقية لجبر الضرر والمساءلة، والتواصل مع ذوي الضحايا والمفقودين، وإصدار تقارير دورية شفافة توضح ما أُنجز وما لم يُنجز، إضافة إلى التنسيق مع المؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية”.

 

مسار العدالة الانتقالية.. أسباب التأخير

حسب خبراء، لا يزال مسار العدالة الانتقالية في سوريا يحتاج إلى عمل في أكثر من اتجاه، فالهيئة نفسها لا بد من أن ينطلق عملها بشكل أكثر واقعية وجدية، من خلال الوصول إلى الحقائق والوثائق، والتحقيق في الانتهاكات، والقدرة على طلب إصدار أوامر قضائية.

 

ولهذا، لا بد من تشكيل بنية متكاملة قادرة على أداء هذه الأدوار بعيداً عن البيروقراطية المعروفة في الدوائر والمؤسسات الحكومية، خاصة أن مؤسسة مثل “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” تختلف شكلاً ومضموناً عن بقية مؤسسات الدولة.

 

أيضاً، لا بد من وجود إرادة سياسية حكومية لتقوم الهيئة بأداء عملها والتمتع بسهولة التحرك، وتوضيح الصلاحيات الممنوحة لها بشكل كافٍ.

 

يرى الكيلاني أن هناك تأخيراً في عمل الهيئة يرتبط بعدة أسباب، إحداها حجم المأساة السورية ووجود آلاف الضحايا والمفقودين والمهجرين، ولهذا التأخير آثار سلبية ونتائج خطيرة على المدى القادم، أبرزها: تآكل الثقة بالمؤسسات الناشئة والحديث عن الإصلاح، وضياع الأدلة والشهادات مع مرور الوقت وازدياد صعوبة توثيق الجرائم، وارتفاع احتمالات تجدد العنف، لأن غياب العدالة غالباً ما يقود إلى الانتقام أو الإحباط العام.

 

هل تحتاج العدالة إلى تشريعات جديدة؟ ما دور الحكومة؟

على الجانب الآخر، لم يسبق في تاريخ سوريا الحديث وجود محاسبة وعدالة انتقالية لمرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق المواطنين، وخاصة خلال الفترة التي حكم فيها حزب البعث العربي الاشتراكي وعائلة الأسد المخلوع.

 

فمنذ الانقلاب الذي نفذه حزب البعث في عام 1963، تم إصدار قوانين وتشريعات استثنائية قائمة على فرض حالة الطوارئ التي استمرت لسنوات طويلة في سوريا تحت ذرائع واهية، إضافة إلى تشكيل قوانين تم بموجبها إنشاء محاكم استثنائية، كالمحكمة الميدانية ومحكمة مكافحة الإرهاب، التي راح ضحية لأحكامها آلاف المعتقلين السوريين في سجن صيدنايا العسكري وغيره.

 

وقبل ذلك، لم تحتوِ القوانين السورية المدنية، كقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، على نصوص يمكن أن تطبق على الحالة السورية التي تلت اندلاع الثورة السورية، ومارست خلالها حكومة الأسد المخلوع كل أنواع الانتهاكات والجرائم بحق السوريين.

 

لذلك، لا بد من سن تشريعات جديدة وبشكل سريع يمكن من خلالها تحقيق مسار العدالة الانتقالية في سوريا بشكل يضمن نجاحها وتحقيق الأهداف المرجوة منها.

 

يرى المعتصم الكيلاني أن العدالة الانتقالية في سوريا لا يمكن تنفيذها بالاعتماد على القوانين الحالية، لأنها لا تغطي الجرائم الكبرى المرتكبة كالإخفاء القسري والتعذيب وجرائم الحرب، كما أنها لا تضمن حقوق الضحايا في جبر الضرر والتعويض، ولا تنص بوضوح على عدم سقوط الجرائم الخطيرة بالتقادم، ولا تحمي الشهود، ولا تضمن سرية البيانات.

 

من هنا، يأتي دور الحكومة التي تدفع مسار العدالة الانتقالية من دون تأخير، فحسبما حصلت عليه صحيفة “الثورة السورية”، فإن وزارة العدل تعمل حالياً على سن قانون للعدالة الانتقالية يكون مستقلاً، ويشمل آليات حقيقية، وأشكال المحاسبة، وبرامج جبر الضرر، وإصلاح قطاع الأمن، وضمانات عدم تكرار الجرائم.

 

ما عُرض سابقاً يوصل إلى قضايا مهمة وهي السلم الأهلي والمصالحة الوطنية، إذ تُعد من أبرز أهداف العدالة الانتقالية بعد تحقيق النقاط الأخرى كالمحاسبة والعدالة وجبر الضرر.

 

وتُعتبر العدالة الانتقالية طريقاً آمناً لتحقيق السلم الأهلي، خاصة بعد أن يشعر المواطنون أن العدالة تمكنت من محاسبة من ارتكب الجرائم والانتهاكات بحقهم.

 

ختم الكيلاني حديثه لـ”الثورة السورية” قائلاً: “العدالة الانتقالية هي الطريق الأكثر ضماناً لبناء السلم الأهلي الحقيقي، لكنها ليست الطريق الأسرع بالضرورة، فهي تحتاج إلى وقت وإرادة سياسية، ولكنها تبني مصالحة قائمة على الاعتراف بالحقيقة، ومحاسبة تمنع الانتقام، وإصلاح مؤسسات تضمن عدم تكرار الانتهاكات، وجبر ضرر يعيد جزءاً من كرامة المواطنين وحقوقهم”.

 

من المهم أن تدفع الدولة السورية اليوم نحو تطبيق العدالة الانتقالية ودعمها بكل الوسائل الممكنة، فتطبيقها في الوقت الذي يزيد من رصيد الدولة لدى المواطنين والتفافهم حولها، يؤسس أيضاً لسلم أهلي قوي يستمر مبنياً على الحقيقة والقانون.

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة السورية

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كاليفورنيا… إطلاق نار في حفلة عيد ميلاد

  قُتل ما لا يقلّ عن أربعة أشخاص وأصيب عشرة آخرون في إطلاق نار وقع خلال تجمّع عائلي في مدينة ستوكتون بشمال كاليفورنيا، ليل السبت، ...