أطلق البابا لاوون الرابع عشر في ختام زيارته التاريخية الى بيروت نداء لـ”وقف الهجمات والأعمال القتالية”، على وقع مخاوف محلية من تصعيد اسرائيل لضرباتها بعد عام من حرب دامية مع حزب الله، داعيا في الوقت نفسه إلى تجاوز العنف والانقسامات في الشرق الأوسط.
وخلال زيارته التي حملت شعار “طوبى لفاعلي السلام”، دعا البابا المسؤولين ورجال الدين واللبنانيين الى أن يكونوا بناة سلام حقيقيين، والى تجاوز الانقسامات والتصدي للعنف والاقصاء. وأكّد إيمانه بقدرة اللبنانيين مسيحيين ومسلمين على “العيش معا” بسلام، وبـ”اندفاع” الشباب القادر على “تغيير مجرى التاريخ”.
وفي كلمته الأخيرة من مطار بيروت أمام المسؤولين، قبيل إقلاع طائرته الى روما، شكر البابا اللبنانيين على الأيام الثلاثة التي قضاها في ربوع بلدهم حيث استقبل بحفاوة بالغة وانتظر الآلاف في الشوارع مرور موكبه، ولو تحت مطر غزير.
وقال البابا “أحيي جميع مناطق لبنان التي لم أتمكن من زيارتها: طرابلس والشمال، البقاع والجنوب الذي يعيش بصورة خاصة حالة من الصراع وعدم الاستقرار. أعانق الجميع وأرسل الى الجميع أمانيَّ بالسلام”.
وأضاف “أطلق أيضا نداء من كلّ قلبي: لتتوقف الهجمات والأعمال العدائية. ولا يظنّ أحد بعد الآن أن القتال المسلح يجلب أية فائدة. فالأسلحة تقتل، أما التفاوض والوساطة والحوار فتبني. لنختر جميعا السلام وليكن السلام طريقنا، لا هدفا فقط”، من دون أن يأتي على ذكر اسرائيل.
منذ وصول البابا إلى بيروت، لم تعلن اسرائيل تنفيذ غارات، بعدما صعدت في الأسابيع الأخيرة وتيرة ضرباتها التي أسفرت إحداها على الضاحية الجنوبية لبيروت عن مقتل القائد العسكري لحزب الله هيثم الطباطبائي واربعة من معاونيه قبل أقل من أسبوعين.
وقال الأمين العام للحزب نعيم قاسم في كلمة القاها الجمعة إن من حق حزبه الردّ على اسرائيل بعد تلك الضربة، مضيفا “سنحدد التوقيت لذلك”، ما فاقم الخشية من تجدد التصعيد بين الطرفين.
وتقول اسرائيل إن هدف ضرباتها منع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية بعد الحرب الدامية التي خاضها الطرفان لنحو عام، وانتهت بوقف لإطلاق النار برعاية أميركية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
وتمارس الولايات المتحدة واسرائيل ضغوطا على لبنان لتسريع نزع سلاح حزب الله، بموجب الاتفاق، الأمر الذي يرفضه الحزب المدعوم من طهران.
-“فاعلو سلام”-
وفي الحدث الشعبي الأبرز خلال الزيارة، ترأس البابا قداسا في واجهة بيروت البحرية بمشاركة نحو 150 ألف شخص وفق السلطات، منهم من جاء من سوريا والعراق والأردن.
وقال البابا في كلمة في ختام القداس الذي حضره المسؤولون اللبنانيون “يحتاج الشرق الأوسط إلى مقاربات جديدة لرفض عقلية الانتقام والعنف، وللتغلب على الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية، ولفتح فصول جديدة باسم المصالحة والسلام”.
وتوجه الحبر الأعظم الى مسيحيي المشرق الذين تضاءلت اعدادهم تباعا خلال العقدين الماضيين على وقع التوترات والنزاعات في المنطقة. وقال “كونوا فاعلي سلام… تحلوا بالشجاعة”.
وفي عظة ألقاها خلال القداس، أشار البابا إلى “مشاكل كثيرة” يعاني منها البلد، معددا من بينها انفجار مرفأ بيروت المروّع عام 2020 وعدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية و”عنفا وصراعات أعادت إحياء مخاوف قديمة”.
وقال “علينا جميعا أن نوحّد جهودنا كي تستعيد هذه الأرض بهاءها”.
وأكّد “ليس أمامنا إلا طريق واحد لتحقيق ذلك: أن ننزع السلاح من قلوبنا، ونسقط دروع انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماءاتنا الدينية على اللقاءات المتبادلة، ونوقظ في داخلنا حلم لبنان الموحّد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويمكن للجميع فيه أن يعترف بعضهم ببعض إخوة وأخوات”.
وزار البابا لبنان القائم على توازنات طائفية وسياسية دقيقة، بعدما أنهكته سلسلة من الأزمات الاقتصادية والانقسامات السياسية، وصولا إلى الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
وقالت سميرة خوري التي جاءت باكرا إلى موقع القداس “أتينا بفرح لنشارك في هذا العرس السماوي من خلال لقائنا مع البابا الذي يزرع الفرح والسلام في قلوبنا ويقوي الرجاء الموجود لدينا”.
وتابعت لفرانس برس بتأثر “نشكر الله لأننا نشعر بفرح عظيم في هذا اللقاء”.
وقال إلياس فاضل (22 عاما) لفرانس برس “إنها بارقة أمل للبنان، وأشعر بسلام لمجرد رؤية الناس فرحين هنا”.
– صلاة صامتة –
وأقام البابا، قبيل وصوله إلى موقع القداس، صلاة صامتة في مرفأ بيروت أمام نصب ضحايا انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020 الذي أسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وإصابة الآلاف بجروح، ودمار في العاصمة.
وصافح عددا من أهالي الضحايا الذين استقبلوه بالدموع حاملين صور أحبائهم. وجثا أمام طفل صغير حمل صورة والده في مشهد مؤثر.
وقال الحبر الأعظم قبيل مغادرته بيروت إنه يحمل معه “ألم وعطش” عائلات ضحايا الانفجار الذي “دمّر…حياة الكثيرين”.
وقالت المحامية سيسيل روكز التي فقدت شقيقها في الانفجار، للصحافيين في المرفأ “نحن ممتنون جدا لزيارة البابا هذه، فهو يريد أن يصلي من أجل أرواح شهدائنا وضحايانا. نعلم أنه يرفع صوته من أجل العدالة، ونحن بحاجة إلى العدالة”.
ولا تزال عائلات الضحايا تطالب بالعدالة بعد أعوام على الفاجعة.
غرق التحقيق بشأن الانفجار منذ العام 2023 في متاهات السياسة، بعدما قاد حزب الله حينها حملة للمطالبة بتنحّي المحقق العدلي طارق البيطار الذي حاصرته لاحقا عشرات الدعاوى لكفّ يده. لكن القاضي استأنف منذ مطلع العام عمله في ضوء تغير موازين القوى في الداخل بعد الحرب مع إسرائيل.
صباحا، تفقد البابا مستشفى دير الصليب للأمراض النفسية والعقلية شمال بيروت، حيث استقبله القيمون على الدير والمرضى بالتصفيق والهتاف ونثر الورود البيضاء.
وشكّل لبنان المحطة الثانية من الجولة الخارجية الأولى للبابا الأميركي، بعد زيارته تركيا حيث شدد على أهمية الحوار والوحدة بين المسيحيين.
مودعا البابا في قاعة الشرف في مطار بيروت، برفقة رئيسي الحكومة والبرلمان، قال رئيس الجمهورية جوزاف عون “وإذ نودّعكم، لا نودّع ضيفا كريما فحسب، بل نودّع أبا حمل إلينا طمأنينة وذكّرنا بأن العالم لم ينسَ لبنان، وأن هناك من يصلّي لأجله ويعمل من أجل السلام”.
أخبار سوريا الوطن١-رأي اليوم
syriahomenews أخبار سورية الوطن
