د. نجوى ازهار *
في وقت يُروَّج فيه الذكاء الاصطناعي (AI) أداة قوية لمواجهة الأزمات البيئية، تظهر معه تساؤلات جدّية عن الأثر البيئي الحقيقي لهذه التكنولوجيا. قد يكون الذكاء الاصطناعي سلاحاً مهماً في مكافحة التلوث وتغير المناخ، لكن ثمن تطويره وتشغيله قد يترك بصمة بيئية صعبة التجاهل.
لماذا النقاش نحو الذكاء الاصطناعي المستدام مهم اليوم؟
مع تزايد استخدامات الذكاء الاصطناعي وتوسّع بنيته التحتية الرقمية عالمياً، أصبح من غير الممكن تجاهل تكلفته البيئية. في الدول والشركات التي تطمح إلى الانتقال الأخضر، لا يكفي التفكير في الفائدة الاقتصادية أو التشغيلية، بل يجب مراعاة البعد البيئي أيضاً.
إذا استخدم الذكاء الاصطناعي بحكمة ومسؤولية، فيمكن أن يصبح دعامة أساسية لاستراتيجيات الاستدامة، لكن إن استمر الاستخدام بلا قيود أو ضوابط، فقد تتحول هذه التكنولوجيا إلى عبء إضافي على كوكبنا.
كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في حماية البيئة؟
يُستَخدم الذكاء الاصطناعي اليوم في تطبيقات عديدة تعزز الاستدامة: من تحسين إدارة الطاقة والمياه إلى الزراعة الدقيقة، والتخطيط الذكي للبنية التحتية.
على سبيل المثال، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تتبّع الانبعاثات البيئية، تحليل كميات ضخمة من البيانات المناخية، والمساعدة في اتخاذ قرارات مستدامة بفعالية أعلى من الطرق التقليدية. كما أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لكشف أنماط في استهلاك الطاقة وإدارة الأبنية، ما يساهم في خفض الإهدار وتحسين كفاءة استخدام الموارد.
لكنه يخفي تكلفة بيئية لا يستهان بها
المشكلة أن هذه الفوائد تأتي مع آثار بيئية ملموسة، إذ يتطلب بناء مراكز البيانات الضخمة التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي وتشغيلها كميات هائلة من الكهرباء، وكذلك كميات كبيرة من المياه للتبريد، إلى جانب الاعتماد على معادن نادرة في تصنيع الأجهزة.
كما أن أنشطة الذكاء الاصطناعي — عبر تدريب النماذج وتشغيلها — تسبب انبعاثات هائلة من ثاني أوكسيد الكربون، تصل إلى مئات ملايين الأطنان سنوياً. بالإضافة إلى ذلك، تؤشر النفايات الإلكترونية الناتجة من الأجهزة المستهلكة إلى مشكلة بيئية طويلة الأجل، خصوصاً إذا لم تُعالج عبر برامج تدوير أو إدارة سليمة.
نحو “ذكاء اصطناعي مسؤول ومستدام”
لكي يكون الذكاء الاصطناعي حقاً حليفاً للبيئة وليس عبئاً إضافياً عليها، من الضروري ربط تطويره بسياسات واضحة ومسؤولة:
• تصميم نماذج وخوارزميات تقلل من استهلاك الطاقة، أي بناء “ذكاء اصطناعي خفيف” بدل اعتماد نماذج ضخمة بلا ضبط بيئي.
• تشغيل مراكز البيانات بالطاقة المتجددة، واستخدام تقنيات تبريد أقل استهلاكاً للمياه، مع خطط واضحة لإعادة تدوير الأجهزة عند نهاية عمرها.
• ربط سياسات الاستدامة بمشروعات AI منذ مرحلة التخطيط، بحيث تتضمن تقييم أبعاد بيئية، وهذا يتطلب شفافية في بيانات الطاقة والمياه والموارد المستخدمة.
• توجيه استخدامات الذكاء الاصطناعي إلى مجالات ذات تأثير إيجابي واضح مثل الزراعة الذكية، مراقبة الانبعاثات، تخطيط المدن المستدام، والطاقة النظيفة.
إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية تُضاف إلى رصيد التقدم التكنولوجي نظرياً، بل هو واقع يؤثر على الأرض، على استهلاك الطاقة، على الموارد، وعلى البيئة بأبعادها المتعددة.
لذا، علينا أن نتعامل معه بعقلانية: أن نطوّره، نعم، لكن ضمن إطار “ذكاء اصطناعي مستدام”، ينطلق من احترام الطبيعة والموارد، ويضع المسؤولية البيئية في صميم أي خطوة، من التصميم إلى التشغيل وحتى نهاية العمر.
في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ كوكبنا، يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي جزءاً من الحل. المهم ألا يتحول إلى جزء من المشكلة.
*خبيرة التنمية المستدامة
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
