أحمد مفيد
يفوز «المتحف الفلسطيني» بجائزة الممارسات المتحفية لعام 2025 عن معرض «غزّة الباقية»، في تتويج لدور استثنائي يُعيد تعريف المتحف كمساحة للبقاء والمقاومة. وسط الإبادة وتدمير البنية الثقافية، حوّل المتحف عجز الوصول الجغرافي إلى حضور عالمي، جامعاً الأرشيف والذاكرة والفن في مواجهة المحو
فاز «المتحف الفلسطيني» في بيرزيت – فلسطين (مؤسسة غير حكومية) بجائزة الممارسات المتحفية المتميزة لعام 2025، التي تمنحها «اللجنة الدولية للمتاحف والمجموعات الفنية الحديثة» (CIMAM)، عن معرضه «غزّة الباقية». أشادت اللجنة بقدرة المتحف على إعادة تعريف دور المتاحف كمساحات للبقاء والمقاومة، ولعبه دوراً حيوياً في تأكيد التراث الثقافي والذاكرة الجماعية. وقد نجح المتحف، عبر عمله في ظل ظروف قاسية، في مواكبة الأحداث الكارثية التي يمر بها قطاع غزّة على صعيد الفن والممارسات المتحفية.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وتحديداً بعد ثلاثة أسابيع من بدء الإبادة الجماعية على قطاع غزّة، استجاب المتحف الفلسطيني بسرعة لتدمير البنية التحتية الثقافية فيها، حيث دُمّر متحفان (متحف رفح ومتحف القرارة) ومعرضان فنيان (محترف شبابيك للفن المعاصر، غاليري التقاء) وأرشيفات عدة (منها أرشيف بلدية غزة الذي تأسّس من نهايات القرن التاسع عشر وأرشيفات الجامعات) ومواقع تراثية، واستشهد عشرات العاملين في الحقل الثقافي.
بشير السنوار ـــ «قربان» (زيت على قماش ـــ 84 × 104.5 سم ــ 1982 ـــ بإذن من مجموعة جورج الأعمى)
بشير السنوار ـــ «قربان» (زيت على قماش ـــ 84 × 104.5 سم ــ 1982 ـــ بإذن من مجموعة جورج الأعمى)
قدّم المتحف قاعة عرضه الرئيسية امتداداً لمواقع غزّة التي قُصفت، مُطلقاً معرض «هذا ليس معرضاً»، وهو معرض جماعي للفنانين الذين أبدعوا تحت الحصار.
جمع المتحف أكثر من 330 عملاً فنياً لأكثر من 130 فناناً غزياً من منازل خاصة وجامعات ومؤسسات في جميع أنحاء فلسطين، بالشراكة مع أكثر من 60 جهة. من بين الفنانين المشاركين، استشهد ستة فنانين وهم: الفنان القدير فتحي غبن، وهبة زقوت، وشهد نافذ، ومحمد سامي، وضرغام قريقع، والصحافي فؤاد أو خماش. سُوّيت استوديوهاتهم وبيوتهم بالأرض، وفي كثير من الحالات، تُعدّ هذه الأعمال المعروضة الدليل الوحيد الباقي على وجودهم.
إنشاء ممارسات متحفية رقمية تمكّن الشعب الفلسطيني والعربي من الوصول إلى المواد الأرشيفية إلكترونياً
بالتوازي مع هذه المجموعة الطارئة، أنشأ المتحف معرض «غزّة الباقية»، وهو معرض أونلاين قابل للتحميل يضم 44 لوحة لسرد القصص، و33 لوحة فنية فلسطينية، و66 صورة أرشيفية، بالإضافة إلى رموز الاستجابة السريعة (QR Codes) التي تربط بمقاطع فيديو وبودكاست. تحوّل هذه الممارسة المبتكرة الاستجابة للأزمات إلى إدارة ثقافية مستدامة عبر إتاحة الوصول إليها للجميع عبر التوزيع المفتوح المصدر. انطلق مشروع «غزّة تبقى القصة» في أيلول (سبتمبر) 2024، وحقق 245 معرضاً في 48 دولة، (عُرض في «الجامعة الأميركية في بيروت» وكذلك في «جامعة القديس يوسف» في بيروت).
باستحضار حياة أهل قطاع غزّة قبل حرب الإبادة، ومواجهة التضليل الإعلامي، يسعى المعرض إلى تزويد الجمهور العالمي بمعلومات ومرجعيات ومصادر تضع غزّة في سياقها الفلسطيني والعالمي عبر التاريخ. يتناول المعرض الحرب الحالية في سياق الحروب السابقة والاستعمار الممتد منذ أكثر من 100 عام، كما يتناول الأبعاد الثقافية والفن والحياة اليومية والزراعة والموسيقى والتضامن العالمي كموضوع داخل المعرض يشكل قصة «غزّة الباقية».
كيف يمكن لمتحفٍ لا يمكن لجمهوره الوصول إليه أن يفوز بجائزة الممارسات المتحفية المتميزة؟ بفعل العنف التاريخي الذي تعرّض له الشعب الفلسطيني وتشتته في أنحاء الأرض، وكذلك بفعل التقسيم الجغرافي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي بين الضفة الغربية وقطاع غزّة والداخل المحتل، لم تُجاوز نسبة القادرين على الوصول إلى المتحف الفلسطيني 10 في المئة من الشعب الفلسطيني. حتى هذه النسبة الضئيلة، ومع تزايد الحواجز داخل الضفة الغربية، باتت غير قادرة على الوصول إلى المتحف.
مع بداية حرب الإبادة على قطاع غزّة، أغلق المتحف أبوابه أمام الزوار لفترة بفعل صدمة الحرب والقيود على الحركة التي يفرضها الاحتلال. في المقابل، كثّف العمل على إنشاء ممارسات متحفية رقمية تمكّن الشعب الفلسطيني والعربي من الوصول إلى المواد الأرشيفية إلكترونياً من دون الحاجة إلى التواجد داخل المتحف.
أمام هذا الواقع، أعاد المتحف تعريف دوره بوصفه مصدراً معرفياً متاحاً للجميع، لا وجهةً مشروطة بالوصول الجغرافي. وكان معرض «غزّة الباقية» أولى ثمرات هذا العمل.
إضافة إلى ذلك، شكّل أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي (متاح أونلاين يضم أكثر من 350 ألف وثيقة) تفاعلاً لافتاً في الاستخدام والاطّلاع يتجاوز العشرين ضعفاً، من مؤسسات ثقافية وأفراد حول العالم.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
