ريم هاني
بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال اجتماع مع مجلس الوزراء، الثلاثاء، أن الجيش الأميركي سيبدأ «قريباً جداً» ضربات صاروخية على الأراضي الفنزويلية ضدّ مهرّبي المخدّرات، كان رئيس هندوراس السابق، خوان أورلاندو هيرنانديز، الذي أدين، العام الماضي، في قاعة محكمة في نيويورك، بتمكين زعماء المخدّرات وتهريب مئات الأطنان من الكوكايين إلى الولايات المتحدة وتحويل بلاده الصغيرة إلى دولة مخدّرات عنيفة، يتنفّس «الصعداء». ويأتي ذلك بعدما قرّر ترامب، فجأةً، إصدار عفو من عقوبة السجن الفيدرالي، البالغة 45 عاماً والصادرة بحق هيرنانديز، على الرغم من وصف المحامين للأخير بأنه «في قلب واحدة من أكبر وأعنف مؤامرات تهريب المخدّرات في العالم». ويرجع هذا التطوّر، جزئياً، إلى العلاقة «الطيبة» التي كانت تجمع بين هيرنانديز وترامب في ولاية الرئيس الأميركي الأولى، بعدما تبنّى رئيس الهندوراس سياسة متماشية مع تلك التي انتهجها ترامب، ولا سيما في ما يتعلق بـ«مكافحة الهجرة».
والواقع أنه بالنسبة إلى كثيرين، لم يكن هذا التناقض الصارخ الجديد في السياسة الأميركية بمثابة مفاجأة فعلية، نظراً إلى أن أهداف واشنطن من وراء الضغط على مادورو، تتجاوز، بوضوح، محاولة الحدّ من تدفّق المخدّرات إلى البلاد، وهو ما انعكس، أخيراً، في زعم وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، أن «فنزويلا توفّر موطئ قدم لإيران والحرس الثوري الإيراني وحتى حزب الله»، وقوله إن «نظام نيكولاس مادورو يشكّل مصدر زعزعة للاستقرار في المنطقة بأسرها». وعلى الرغم من أن تصريحات روبيو هي الأولى الرسمية من نوعها، إلا أن العديد من الصقور والمحلّلين الداعمين للإطاحة بنظام مادورو، بهدف إعادة تشكيل القارة اللاتينية بما يتماشى مع المصالح الأميركية، كانوا قد توقّفوا، في وقت سابق، على ادّعاءات مشابِهة لها، إذ ورد في تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز»، أخيراً، أنه خلال ولاية ترامب الأولى، تلقّت الإدارة تقارير موثوقة عن «خطط إيرانية لنقل صواريخ إلى فنزويلا، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة تهديداً غير مقبول وتعهّدت بإيقافه بالقوة إذا لزم الأمر». وزعمت المجلة أن واشنطن أبلغت كاراكاس وطهران بذلك، «ما دفعهما إلى إيقاف عمليات النقل».
وطبقاً للمصدر نفسه، فإن الطائرات المُسيّرة الإيرانية التي يمكنها ضرب إسرائيل من داخل إيران، «قادرة أيضاً على الوصول إلى الأراضي الأميركية من فنزويلا، بما في ذلك بورتوريكو والمنشآت الأميركية هناك»، في حين «تستخدم إيران فنزويلا قاعدة لنشاط حزب الله، وتبييض الأموال، والحصول على جوازات سفر فارغة لوكلائها، وغيرها من الأنشطة التي يجب على ترامب إيقافها عبر إنهاء النظام الذي يوفّر لها الغطاء». أمّا كوبا، فيمنحها نظام مادورو ما بين 30 و50 ألف برميل نفط يومياً مجاناً أو بأسعار شبه رمزية، في ما يشكّل «مصدر دعم حاسم للنظام الشيوعي في هافانا». ويجادل أصحاب الرأي المتقدّم بأن «حكومة ديمقراطية في كاراكاس» ستنهي هذا الدعم، وتدفع نحو طرد الخبراء العسكريين الروس الموجودين لتدريب القوات الفنزويلية، وتضع حدّاً لاعتماد البلاد على المعدّات العسكرية الروسية والصينية.
يجادل البعض بأن «حكومة ديمقراطية» في كاراكاس ستنهي «الدعم» الفنزويلي لإيران و«حزب الله»
ويأتي الفصل الجديد من التصعيد الأميركي ضد فنزويلا، عقب إعلان ترامب أنه أجرى اتصالاً مع مادورو، ورفضه تصنيف الاتصال بـ«الجيد أو السيئ»، فيما تحدّثت تقارير أوردتها وكالة «رويترز» عن أن مادورو أبلغ ترامب خلال المكالمة أنه «مستعدّ لمغادرة البلاد شريطة أن يحصل هو وأفراد عائلته على عفو قانوني كامل، بما في ذلك رفع جميع العقوبات الأميركية وإنهاء قضية رئيسية يواجهها أمام المحكمة الجنائية الدولية»، جنباً إلى جنب رفع العقوبات عن أكثر من 100 مسؤول حكومي فنزويلي. وبحسب المصدر نفسه، رفض ترامب كلّ تلك الطلبات، وأخبر، في المقابل، مادورو بأن أمامه «أسبوعاً لمغادرة فنزويلا إلى الوجهة التي يختارها مع أفراد عائلته»، قبل أن يدفع في اتجاه إغلاق المجال الجوي الفنزويلي، ما قضى، عملياً، على «الممرّ» المُتاح أمام الرئيس الفنزويلي.
وتشي النوايا الأميركية المُضمرة خلف مساعي تغيير النظام في فنزويلا، جنباً إلى جنب التعهّدات السابقة بالاستيلاء على قناة بنما والسيطرة على غرينلاند وإعادة تسمية خليج المكسيك باسم خليج أميركا، وحملة التعرفات الجمركية في جميع أنحاء الأميركَتين، والتي استهلّ بها ترامب ولايته، طبقاً لخبراء، بعودة تصنيف نصف الكرة الغربي على أنه المسرح المركزي للولايات المتحدة في الخارج. وعلى الرغم من أن الهدف المُعلن لترامب يتمثّل في منع المخدّرات والمهاجرين من دخول الولايات المتحدة، فإن كبار المسؤولين في الإدارة كانوا صريحين في أن هدفهم الشامل يتلخّص في تأكيد الهيمنة الأميركية على نصف الكوكب، بعدما سعت الولايات المتحدة، منذ عقود، إلى ترجيح كفّة الميزان في أميركا اللاتينية لصالحها، داعمةً الانقلابات العسكرية، ومنفّذةً عمليات سرية وعمليات غزو، كما حصل في بنما.
يُضاف إلى ما تقدّم، أنه بالنسبة إلى ترامب، فإن سيطرة أكبر على نصف الكرة الأرضية، وخاصة أميركا اللاتينية، تحمل فوائد كبرى من نواحي الموارد الطبيعية الوفيرة والمواقع الأمنية الاستراتيجية والأسواق المُربِحة. وفي هذا الإطار، وبدعم من فريق من الصقور ذوي التاريخ الطويل في أميركا اللاتينية، وأبرزهم وزير الخارجية روبيو، يقوم ترامب بـ«إصلاح» سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، في محاولة لانتزاع تلك الغنائم. وعليه، بات العديد من المراقبين يشبّهون النهج الأميركي الجديد بـ«عقيدة دونرو»، وهو المصطلح الذي ظهر على غلاف صحيفة «نيويورك بوست» لأول مرة، كناية عن تحريف «ترامبي» لفكرة تعود إلى القرن التاسع عشر.
ويُقِرّ العديد من المراقبين بأنه بعدما واجهت الحكومات اليسارية «الاستبدادية» في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا حملة ضغط غير مسبوقة، وصعود قوى يمينية موالية لترامب في بوليفيا وتشيلي وبيرو، على ضوء دعم أميركي مباشر وغير مباشر لمرشحين يمينيين بأساليب متفاوتة، فإن نهج ترامب لم ينجح مع كلّ الأطراف، إذ إن كلاً من المكسيك وكندا تمكّنت، مثلاً، من التملّص من الامتثال لمطالب ترامب، محافظةً على خطوط حُمر خاصة بها، ومستفيدة من قوتها الاقتصادية. أمّا البرازيل، فمثّلت «الاختبار الأوضح» لسياسات ترامب، وذلك عقب رفض حكومة الرئيس لولا دا سيلفا الضغوط الأميركية لوقف محاكمة الرئيس السابق جايير بولسونارو، وهو ما أودى، في غير محطة، إلى تنازلات أميركية.
وفي ما يتعلق بالنفط الفنزويلي تحديداً، يجادل خبراء في أن فنزويلا تمتلك احتياطيات نفطية هائلة، خصوصاً في حزام أورينوكو، الواقع شمال شرقي البلاد. وعلى الرغم من أن هذا النفط «ثقيل جداً ولزج ومُحمّل بالكبريت، ما يجعل استخراجه صعباً ومُكلِفاً»، في وقت تتعامل فيه «شركة شيفرون» الأميركية، وهي الوحيدة العاملة هناك، مع فنزويلا كحالة خاصة ولا تحتسب إنتاجها ضمن أرقامها المُعتادة»، فإن مصافي الساحل الأميركي المطلّة على خليج المكسيك صُمّمت، تاريخياً، لمعالجة النفط الثقيل، ما يمنح الأخير أهمية خاصة للولايات المتحدة.
على أن ذلك «لا يعني أن الحشد العسكري الأميركي في منطقة البحر الكاريبي يهدف إلى الحصول على هذا النفط» بشكل رئيسي، وفقاً لما يجادل به تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي»، أخيراً، بل إن لدى إدارة ترامب، وخاصة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ماركو روبيو، أولويات أخرى، تشمل إعادة تشكيل نصف الكرة الغربي، «وقتل أشباح فيدل كاسترو من خلال الإطاحة بالأنظمة الاشتراكية والشيوعية»، بما فيها النظام الذي حكم فنزويلا لعقود من الزمن، ورفع، لفترة وجيزة، «راية الثورة الإقليمية».
وتنقل المجلة عن فرانسيسكو مونالدي، الخبير في صناعة النفط الفنزويلية في «جامعة رايس»، قوله إن «الأمر لا يتعلق بالنفط» حصراً، بل بـ«الأجندة الأميركية الأوسع»، وإنه على عكس المجالات الأخرى التي «يتمتع روبيو بنفوذ محدود فيها، فقد وجد طريقة لبيع استراتيجيته لناخبي (ماغا)» في ما يتعلق بالنصف الغربي من الكرة الأرضية.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
