آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » من لم تُقعِده الحرب أقعدتْه تبعاتها: 30 ألف معوّق في غزة

من لم تُقعِده الحرب أقعدتْه تبعاتها: 30 ألف معوّق في غزة

 

يوسف فارس

قلبت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة البناء المجتمعي للغزيين، وصنعت من المصابين ذوي الإعاقة الحركية طبقةً اجتماعية جديدة كليّاً. فهؤلاء، الذين شكّلوا طوال السنوات الماضية أقلية تحظى بما تحتاج إليه من خصوصية ورعاية وإعادة تأهيل مستمرة، باتوا اليوم شريحةً واسعة بعد عامين من الحرب طبّقت في خلالهما إسرائيل نسقاً عدوانياً غير مسبوق. ووفقاً لإحصائيات وزارة الصحة، فإن عدد ذوي الإعاقة الحركية تجاوز الـ6000 من أصل نحو مئتَي ألف جريح. وتراوِح إصابات هؤلاء بين فقدان طرف علوي أو سفلي، وفقدان الرؤية في إحدى العينين، والتعطّل النسبي في وظائف الأعضاء الحركية، والشلل النصفي أو الكلي.

 

(محمد بعلوشة)

(محمد بعلوشة)

ويفيد ظريف الغرة، وهو مسؤول «شبكة الأجسام الممثّلة للإعاقة» في القطاع، إلى أن عدد المصابين الذين أسهمت الحرب في تغيير نسق حياتهم الطبيعي، وأصبحوا بحاجة إلى مساعدة من الغير، وصل إلى 30 ألف شخص. على أن هذا الرقم يظلّ مرشّحاً للارتفاع سريعاً؛ إذ بحسب رئيس بلدية غزة، يحيى السراج، فإن مزيداً من المصابين ينضمون يومياً إلى قائمة مبتوري الأطراف بسبب تدهور مستوى الرعاية الطبية وعدم توفّر المتطلّبات الفنية والطبية اللازمة لإنقاذ أطرافهم من البتر. نموذج من ذلك ما تعرّض له محمود مطر، وهو طبيب عمل شهوراً في «مستشفى الإندونيسي» شمال القطاع، من إصابة بليغة تركّز ضررها في كلتا قدميه، إذ منذ بداية الحرب وحتى لحظة تمكّنه من السفر للعلاج، خاض رحلة شاقّة انتهت ببتر الطرفين. يقول الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»، «أُصبت جراء قصف استهدف البيت الذي كنت أبيت فيه. نُقلت إلى مستشفى الإندونيسي، وأمضيت هناك ليلتين في انتظار دوري لإجراء عملية تركيب مثبت بلاتين لإنقاذ ساقيَّ. وخلال الانتظار، حاصر جيش الاحتلال المستشفى، ثم نُقلت في ظروف صعبة إلى المستشفى الأوروبي جنوب مدينة غزة، حيث انفلتت في الطريق الوعرة أسياخ البلاتين من عظامي». ويضيف: «حين وصلت إلى جنوب القطاع، كان عليّ أن أوقّع على ورقة أقبل فيها بتر قدميَِّ، نظراً إلى أن حالتهما وصلت إلى مرحلة التعفّن ولم تعد الدماء تصل إليهما».

 

ويلفت مطر إلى أنه خضع لأكثر من 50 عملية جراحية في غزّة والخارج، لكن «حتى اللحظة لم أستطع التعافي واستخدام الأطراف الصناعية»، مضيفاً أن «تقييم الأطباء أنه كان من الممكن إنقاذ ساقي لو توفّرت العناية الطبية المطلوبة». ويتابع: «أنا والآلاف أمثالي، بُتِرت أطرافنا لأن لا متّسع للعلاج في المستشفيات التي تزدحم بعشرات الآلاف من الحالات الخطيرة، فكان البتر أسرع الحلول لإنقاذ الحياة».

 

العيش في مدينة غزة وسط الدمار الهائل بات مهمة شبه مستحيلة على الأصحّاء، فكيف بأصحاب الإعاقات الحركية؟

 

 

على باب مركز الأطراف الصناعية في مدينة غزة، يتجمّع العشرات من مبتوري الأطراف؛ من أطفال لم تتجاوز أعمارهم السنوات العشر، إلى شبان وفتيات يتكئون على العكاكيز. ووسط هذا المشهد، كان أسامة الغندور، وهو شاب فقد كلتا ساقيه، يحبو على الأرض نحو بوابة المركز. يقول الغندور الذي تعرّض لإصابة بليغة أقعدته عن الحركة والقدرة على العمل وكسب الرزق: «فقدت ساقيَّ الاثنتين في استهداف أثناء محاولتي إنقاذ أحد المصابين في حيّ الشجاعية. اليوم جئت إلى مركز الأطراف على أمل أن أحصل على كرسي متحرك أو سيارة كهربائية أتنقّل بها». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»: «أنا محتاج أطلع أشتغل لأني أعيل سبعة أبناء، وبدي أكسب رزقي بكرامة. في المركز أخبرونا إنو ما في إلي علاج هان في غزّة؛ تركيب قدمين بحاجة إلى خبرات وسفر إلى الخارج».

 

(محمد بعلوشة)

(محمد بعلوشة)

 

على أن حالة الغندور تتشابه مع مئات الحالات التي تعجز الإمكانات المتوفرة في مركز الأطراف التابع لبلدية غزة عن تلبيتها. وفي هذا الإطار، يوضح الناطق باسم البلدية، حسني مهنا، أن المركز تعرّض خلال عامَي الحرب لضغط غير مسبوق، إذ تلقّى طلبات تركيب أطراف صناعية لـ1700 مصاب، فيما قدّم الخدمة منذ تأسيسه قبل 49 عاماً لـ 1600 حالة فقط.

وإذ يعكس ما تقدّم تحوّل حالات البتر، التي كانت نادرة في المجتمع، إلى ظاهرة واسعة تحتاج إلى متطلّبات وإمكانات فنية ولوجستية وطبية، يقول مهنا إن «إسرائيل تمنع إدخال المواد والأجهزة المساعدة اللازمة لتأهيل المصابين»، لافتاً إلى «(أننا) في المركز نقدّم خدمة «تفصيل» الأطراف الصناعية السفلية، وليس بوسعنا التعاطي مع مبتوري الأطراف العلوية. وحتى الذي نستطيع تقديمه، تَحول المقدرات المحدودة والنقص الحاد في المواد الخام دون توفيره لجميع الجرحى».

 

(محمد بعلوشة)

(محمد بعلوشة)

 

غير أن العقبات التي تواجهها هذه الشريحة تتجاوز الحصول على طرف صناعي أو رعاية آنية؛ إذ يوضح محمد حميد، الذي فقد ساقه في الأشهر الأولى للحرب، أن العيش في مدينة غزة وسط الدمار الهائل بات «مهمة شبه مستحيلة على الأصحّاء، فالشوارع مُدمّرة لا يستطيع الأسوياء المشي فيها، والمنازل مُهدّمة، ولا وسائل نقل مُتاحة، فكيف بأصحاب الإعاقات الحركية؟». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «في السابق، كانت المراكز الحكومية وحتى المحالّ التجارية مُهيّأة للمعوّقين حركيّاً، أمّا في الوقت الحالي فكل شيء مُدمّر. أنا وأمثالي، تتجاوز مشكلتنا الحصول على طرف صناعي أو كرسي متحرك، إلى مستوى أكثر تعقيداً، كل شيء نعيشه يومياً صعب وشاقّ، لا نستطيع قضاء أدنى حاجاتنا من دون مساعدة وتدخّل من العائلة».

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الخوف والقلق: ما الفرق بينهما… وكيف نتعامل معهما؟

    الخوف والقلق مشاعر رافقت الإنسان منذ بدايات وجوده، لكن طريقة تفاعل أجسامنا معها اليوم لم تعد تشبه تعامل الأسلاف مع الأخطار المباشرة. فرغم ...