.
جورج عيسى
إنها مفارقة القدر. سوريا الجديدة هي في وقت واحد نتيجة وضحيّة لانتصار إسرائيل على إيران.
في آب/أغسطس الماضي، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع أن بلاده لن تنضم إلى اتفاقات أبراهام بسبب احتلال إسرائيل للجولان. بالنسبة إلى رئيس وصل إلى السلطة قبل أقل من عام، كان النفي نفسه دليلاً على سرعة تطوّر الأمور والتوقعات في سوريا.
كرر الشرع موقفه في تشرين الثاني/نوفمبر، لكنه قال خلال وجوده في الولايات المتحدة، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب “ربما… تساعدنا في بلوغ هذا النوع من المفاوضات”.
باتت تشبهها
ذكرت “رويترز” مطلع الشهر الماضي أن واشنطن تؤسس قاعدة عسكرية في دمشق لمساعدة سوريا وإسرائيل على التوصّل إلى اتفاق أمني. وفي 27 تشرين الثاني الماضي، دعت كارميت فالنسي من “معهد دراسات الأمن القومي” في جامعة تل أبيب إلى الاستفادة من فرصة الاتفاق، لأن تأسيس علاقات مع الحكومة السورية سيدفعها إلى تبنّي سلوك “إيجابي” مع تقليص للدور الإيراني.
لكن بعد ساعات على نشر مقالها، أعلنت إسرائيل شن غارة في بيت جن السورية ضد عناصر من “الجماعة الإسلامية”. فيما الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستعجل لفتح صفحة جديدة بين دمشق وتل أبيب لتأكيد أنه صانع صفقات، يبقى أن لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رؤية أخرى، أو ربما، لا رؤية أخرى.
في سوريا، باتت إسرائيل تشبه روسيا بعد سنة 2016. استطاعت موسكو كسب الحرب، لكنها عجزت عن تحويله إلى انتصار سياسي. تملك إسرائيل اليوم حرية حركة شبه مطلقة في سوريا. مع ذلك، قد لا تملك تصوراً عاماً لكيفية استفادتها سياسياً من هذه الحرية.
كمين مفاجئ… عسكرياً وسياسياً
يبدو أن إسرائيل تتجاهل احتمال إغضاب ترامب بسبب غاراتها المتكررة على سوريا. بحسب “جيروزاليم بوست”، كان الهدف من الغارة على بيت جن “منع المجموعات الجهادية من ترسيخ نفسها في الجيوب غير المحكومة من جنوب سوريا”. لكن الكمين الذي طال الجنود الإسرائيليين المنسحبين (أوقع ستة جرحى منهم)، وتسبّب نيران المقاتلات بضحايا مدنيين، حوّل العملية إلى “قضيّة ديبلوماسية” واسعة.
كتب ترامب الاثنين على “تروث سوشل” أن “من المهم جداً أن تحافظ إسرائيل على حوار حقيقي وقوي مع سوريا، وألا يحدث شيء يتدخل في تطور سوريا إلى دولة مزدهرة”. وأعلن دعمه “العمل الجاد” الذي يقوم به الشرع لتحقيق الاستقرار في سوريا. ودعا نتنياهو إلى زيارة البيت الأبيض، علماً بأن الدعوة قد تهدف إلى إسماعه ما لا يعجبه، كما حصل في نيسان/أبريل الماضي.
من جهته، اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، خلال جلسة مغلقة للجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست، قوى عدة بالعمل في سوريا، من ضمنها مقاتلون حوثيون. إذن، لا تزال آفاق التصعيد حاضرة.
لكن نتنياهو قال الاثنين إن إسرائيل راغبة في التوصل إلى اتفاق أمني بشرط وجود “حسن نيّة”. وأضاف أن من شروط ذلك إقامة منطقة منزوعة السلاح من دمشق حتى جبل الشيخ. ومن بين العقبات التي برزت أخيراً أمام اتفاق أمني رغبة إسرائيل في تأسيس “ممر إنساني” يربط الجولان بمحافظة السويداء. وتخشى تل أبيب أن يجبرها ترامب على التخلي عن القمّة السورية من جبل الشيخ بعدما احتلتها أواخر 2024.
صراع بين رؤيتين
المشكلة في النظرتين الأميركية والإسرائيلية تجاه سوريا أنهما نادراً ما تلتقيان. يريد ترامب من إسرائيل أن تترك الشرع يوطد سلطته سريعاً لمنع انزلاق سوريا إلى الحرب الأهلية، بينما يريد نتنياهو أن يتحرك داخل الأراضي السورية لضرب “الأخطار” في مهدها.
يحاول نتنياهو إفهام ترامب أن أمن إسرائيل يبدأ من داخل سوريا، بينما يريد الرئيس الأميركي إعادة إسرائيل إلى استراتيجية الردع لا الاستباق. بين رهان ترامب على قوته بمواجهة الحليف الأصغر، ورهان نتنياهو على هشاشة اهتمامات ترامب بالقضايا الخارجية، تجد سوريا الجديدة نفسها أمام مفترق خطير.
أخبار سوريا الوطن١-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
