انس جودة
بين التمسّك بالمبادئ وحماية البلاد، وبين العناد الأجوف الذي يجرّ دولة كاملة إلى الخراب، مسافة تساوي الفارق بين مشرق الأرض ومغربها.
ان نظام بشار الأسد لم يسقط في كانون الأول ٢٠٢٤؛ سقط قبل ذلك بسنوات طويلة، يوم ضيّع كل معادلات القوة بعد حرب العراق واغتيال الحريري، ويوم أنهك الريف السوري وفتح البلاد أمام الاستيراد بلا بدائل، فدمّر صناعتها وأضعف اقتصادها. سقط حين أخطأ فهم حركة الإقليم ورفض فرصة إعادة الدمج الأخيرة التي حاول المجتمع الدولي دفعه إليها بعد موجة اغتيال الحريري، واختار بغباء أن يضع كل أوراقه في سلة واحدة ذهبت فوائدها إلى غيره، بينما دفعت سوريا الثمن وحدها.
سقط النظام حين دخل في مواجهة مع العالم بلا سبب سوى العناد المرضي، وأعاد على السوريين أسطوانة فارغة عن «الثمن الأكبر» الذي سيدفعونه لو غيّر الاتجاه، بينما دفع السوريون فعلاً أثماناً تفوق الخيال، أثماناً ستلاحق الأجيال المقبلة.
لم يكن بشار الأسد صامداً ولا “أسد ابن أسد” كما وصفه لي أحد دبلوماسينا السابقين. كان طفلاً مدلّلاً لا يعرف معنى السياسة ولا معنى تجنيب بلاده الكوارث. كان أسير عقدة أبيه، يسعى لإثبات أنّه أشد صلابة منه، وأنه لا يفاوض ولا يتنازل حتى لو احترقت البلاد. لأن شخصيته السياسية قائمة على الغباء المقنّع بالعناد، لا أكثر.
سقط النظام يوم رفض الذهاب إلى المصالحة الوطنية الكبرى، ويوم خلط بين “المؤامرة” وبين حقوق الناس وآلامها. سقط حين وضع السوريين في مواجهة بعضهم لخدمة بقائه، وحين تجاهل التوافق الدولي الذي قَبِل ببقائه فترة إضافية كان يمكن أن تتحول إلى فرصة لعفوٍ شامل ووقف للقتال وفتح مسار حقيقي للمصالحة. لكنه ترك كل ذلك ينهار ذاتياً لأنه كان مقتنعاً أن وجوده هو صمام الأمان وأن لا أحد يستطيع الاستغناء عنه.
سقط النظام حين اعتقد أنه قادر وحده على حكم البلاد متذرعاً بـ”الشرعية”، ورفض أي إصلاح سياسي أو مشاركة في السلطة. سقط حين زرع الحقد بين السوريين، وحوّل الاقتصاد إلى مزرعة للمقرّبين، وأهمل الريف فتآكل الحامل الاجتماعي للدولة. سقط حين أصبح كل رئيس فرع وكل حاجز زعيماً محلياً يقرر أرزاق الناس وحياتهم تحت يافطة “الدولة”. سقط حين دمّر الوظيفة العامة وحوّل موظفي الدولة إلى أفقر طبقات المجتمع. سقط حين غابت العدالة وانتشر القهر، وحين ترك السوريون بلادهم لأنهم فقدوا أملاً في مستقبل كريم لهم ولأولادهم. سقط حين صعد المطبلون وبائعو الوهم إلى كل شاشة، بينما كانت البلاد تتآكل بهدوء.
سقط النظام قبل أن ينهار رسمياً العام الماضي، وكان يحتاج فقط إلى اللمسة الأخيرة لتقوض بناءً متهالكاً أصلا.
سقط النظام وترك وراءه ـ مع الصور والأفلام والوثائق التي تُستخدم اليوم لصرف الأنظار عن الواقع الراهن ـ خريطة سقوطه نفسها. خريطة طريق جاهزة لكل من يكرّر الأدوات ذاتها ويعيد إنتاج الأخطاء ذاتها، متوهّماً أن تبديل الوجوه يمكن أن يبدّل النتائج. لكن التاريخ لا يعمل بهذه البساطة: من يسلك الطريق نفسه يصل إلى الوجهة نفسها، مهما بالغ الإعلام في التجميل أو الإخفاء.
المسار واضح لمن يريد أن يرى. فالبناء الهشّ الذي يُقام اليوم على المبادئ نفسها وبطريقة مضاعفة وأكثر سرعة مرشّح لأن يلقى المصير ذاته. ولا مخرج من هذه الدائرة إلا برسم خريطة جديدة فعلاً؛ خريطة نعيش فيها معاً، لا كمنتصرين ولا كمختطفين، بل كمواطنين أحرار.
سوريا_لك_السلام
(أخبار سوريا الوطن1-صفحة الكاتب)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
