كاتيا سعد – النهار – الإمارات العربية المتحدة
حين يلتقي التراث العربي بالحضارة الفنية، وتندمج السمفونية الأجنبية باللغة العربية، تولد تجربة إبداعية عربية: أوبرا عنتر وعبلة. هذا العمل الأوبرالي لأوبرا لبنان، من تنظيم شركة “بداية”، ويُعرض لأول مرة في الإمارات العربية المتحدة، بعد نيله جائزة محمد بن راشد للغة العربية عن فئة “أفضل عمل ثقافي وفني لخدمة اللغة العربية”. ينبع العمل من أشهر قصة حب هي “عنتر وعبلة” ليعبر حدود المكان والزمان، وليمتّع الجمهور بعرض موسيقي أوبرالي بمعايير عالمية، برفقة أوركسترا سمفونية وفرقة شارلين مونكس للفنون القتالية الاستعراضية.
كان لـ”النهار” لقاء خاص مع أبرز القائمين على العمل وأبطال أوبرا عنتر وعبلة، التي ستُعرض في مدينة زايد الرياضية من ١٢ إلى ١٤ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٥.
“عنتر وعبلة” تجمع التراث العربي بالغناء الأوبرالي العالمي
تعتبر “أوبرا عنتر وعبلة” للكاتب الدكتور أنطوان معلوف من البدايات التأسيسية للأوبرا العربية في العالم، وقد كتبها قبل نحو 20 عاماً. تمّ تقديم العرض الأول لها في بيروت عام 2016 بمشاركة أكثر من 200 فنان، لتتحوّل إلى تحفة فنية تجمع بين التراث العربي والغناء الأوبرالي العالمي، ولتؤسس لخطّ جديد في الكتابة الدرامية الأوبرالية العربية.
يشير المايسترو مارون الراعي، المؤلف الموسيقي، إلى أنّها أول أوبرا عربية جاءت لخلق مدرسة غناء أوبرالي باللغة العربية على غرار المدرسة الإيطالية والفرنسية والألمانية والروسية. وجاء تأليف موسيقاها ليترجم غنى اللحن المسبوك على النص العربي، مستجيباً لجماليات الألفاظ وحروف كلماتها ومعانيها الدرامية على حدّ سواء.
ومن أهم التحديات التي واجهته في التلحين أن “قالب الأوبرا قالبٌ عالمي واحد، إنما بلغاته المختلفة، وعلى المؤلف أن يلتزم في تأليفه الموسيقى بقاعدة تقول: إن اللغة أولاً”.
أمّا الذي يميّز هذه النسخة، فيقول الراعي: “ستفاجئ الجميع بنخبويّتها، وبأن أداءها في مدينة زايد الرياضية هو نسخة شرقية عربية أصيلة على غرار مهرجان Arena di Verona الأوروبي الغربي. كما يتميّز العرض بأنه مبني بأحدث الآليات المشهدية التكنولوجية، ليتلاءم مع العمق الدرامي في معانيه الإنسانية الصادقة. هذا بالإضافة إلى إشراك فرقة رهبان الشاولين الصينية، لتمثّل علامة تلاقي الحضارات من خلال أبطالها، الذين يثبتون بطولاتهم بالشهامة بدل الحروب، فضلاً عن إدراج التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، و”نحن رائدون في هذا العمل الأوبرالي في بدء مسيرة الأوبرا الرقمية في العالم”.
الأوبرا: فنّ عربي بمعايير عالمية
اليوم تتبنّى شركة “بداية” مشروع تنظيم “أوبرا عنتر وعبلة”، إيماناُ منها بأهمية الحفاظ على التراث وصون الموروث العربي. وتؤكّد إيمان السالم اتلاميد، الرئيسة التنفيذية لبداية، أن هذا العمل يُعدّ خطوة بارزة لإبراز جمال الموروث العربي وقدرته على الإلهام، كما أن شخصية عنترة بن شداد تجسّد نموذجاً حياً للقوة والشجاعة والبطولة والفروسية، وهي سمات نودّ تسليط الضوء عليها ليستلهمها الشباب اليوم.
عن أهمية هذا العمل الأوبرالي العربي في تعزيز موقع الإمارة كعاصمة للثقافة والارتقاء بالفنون، تقول إيمان السالم اتلاميد: “يُعدّ الشعر والمسرح في الإمارات عنصرين أساسيين في ترسيخ الهوية الوطنية وصون التراث وتعزيز الوعي المجتمعي، لذلك تعكس استضافة أوبرا “عنتر وعبلة” في أبوظبي التقاء الفنون الرفيعة مع القيم العربية الأصيلة، والتزام الإمارة بدعم الأعمال العربية المتميزة وتقديمها بمعايير تضاهي العروض العالمية”. كذلك تساهم الأوبرا في إثراء الحراك الثقافي من خلال استقطاب جمهور يبحث عن تجارب فنية تُعنى بالهوية والتراث.
وتضيف: “تُعدّ أبوظبي اليوم بؤرة مركزية للثقافة العربية ومحوراً يُعرّف العالم بإبداعها، فلا تكتفي باحتضان العروض الفنية العالمية، بل ترسّخ نفسها كمنطقة إنتاج ثقافي عربي قادر على المنافسة والانتشار”.
حب “عنتر” و”عبلة”.. معركة وجود
بلغة الأرقام، تضمّ “أوبرا عنتر وعبلة” ٤٥ عضواً في الأوركسترا السمفونية، ٣٨ من أعضاء الكورس، ١٠٨ مؤدّين، و٧ شخصيات رئيسية.
عن دور البطولة “عبلة”، تتحدث الميزو-سوبرانو مريم معوّض أن عبلة هي مصدر الوحي لعنتر للفروسية وكتابة الشعر، وكانت وفيّة للحب. وتقول: “كمغنّية أوبرا لبنانية يشرّفني أداء هذا الدور لإظهار دور المرأة العربية العظيمة”. وخضعت مريم لتدريبات صوتية مكثفة، برفقة عازف بيانو استعداداً لهذا الدور، مع تدريبات على النص الأوبرالي والتركيز على النص الموسيقي إلى أن تمكّنت من حفظه مع السياق الموسيقي. وتتشارك مع الفريق المسرحي تقديم الأفكار الإبداعية لإنجاح العمل الضخم.
عن أهمية دخول اللغة العربية مجال العمل الأوبرالي – الدرامي، تقول مريم: “اللغة العربية لغة تعبير قوية وغنية بالإيقاعات الموسيقية، وأشعر بأنها ملائمة جداً للمسرح الأوبرالي”. وهي تطمح إلى أن يكون هناك أعمال أوبرالية عديدة باللغة العربية، “لكي تخلق لنا الحافز لإظهار إبداعاتنا كفنانين محترفين، ولنصبح قيمة مضافة في عالم الأوبرا”.
يشارك “عبلة” على المسرح “عنتر”، الذي يجسّد دوره التينور والمنتج التنفيذي للعمل أمين هاشم، الذي يعتبر الشخصية من أعقد الشخصيات التي يمكن لأي فنان أن يجسّدها في عمل أوبرالي. وما يشدّه إلى هذه الشخصية الاستثنائية هو الصراع العميق الذي يسكن قلبه: فهو رجل منفيّ عن موطنه، لم يعترف به والده بسبب أصول والدته الحبشية، وبسبب حبّه لعبلة الذي هو معركة وجود. أما أكبر تحدٍّ يواجهه فهو الحفاظ على أصالة الروح العربية مع تقديم أداء أوبرالي كامل من حيث التقنية والدراما والحضور، بالإضافة إلى الجهد الجسدي والصوتي والطاقة القتالية والشعر.
فما الإضافة التي يمنحها العمل لمسيرته؟ يقول أمين: “إنه يمنحني فرصة نادرة لاستعمال كامل طيف صوت التينور، من القوة البطولية إلى الرقة الشعرية. وهذا ينسجم تماماً مع توجهي الفني كمغنّ أوبرالي وكفنان يعمل على مزج الشرق بالغرب وتوسيع حدود الأداء”. ويضيف: “كوني المنتج التنفيذي للعمل أشعر بأنني أساهم في ولادة عمل فنّي متكامل من الفكرة إلى الخشبة”.
“أوبرا عنتر وعبلة” عمل إبداعي أوبرالي، يجمع نخبة من الفنانين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، يتعاونون معًا لصقل رؤية فنية عربية الهوية، تحمل روح التراث، وتتوجّه إلى الجمهور العالمي بلغة الموسيقى والفن. تولّى نديم طراباي إعادة الصياغة والتوزيع الموسيقي والأوركسترالي لهذا العمل، بقيادة المايسترو براين هولمان، وخبير السينوغرافيا الفنان إيلي زيدان.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
