عبدالله رامي
خلال الأيام الأخيرة، اشتعلت حالة كبيرة من الجدل في مصر، بعدما نشر موقع «القاهرة 24» خبراً نسبه إلى مصادر خاصة حول «توجيهات لجنة الدراما بشأن موسم رمضان 2026»، وتضمنت تلك التوجيهات عدم ترويج المسلسلات والأعمال الدرامية للمخـدرات أو التجارة فيها، والابتعاد عن إظهار حالات الطلاق والخيانــة الزوجية، فضلاً عن عدم إهانة صورة المرأة ودعم دورها في المجتمع.
تمجيد أجهزة الأمن
كما تضمنت «وصايا الدراما النظيفة» ضرورة الحدّ من مشاهد البلطجة وإبراز دور الشرطة ومؤسسات الدولة في السيطرة على هذه الظاهرة، وتجنب تسليط الضوء على تجارة الأعضــاء من دون توضيح الفرق بين التجارة والتبرع، وأخيراً التشديد على احترام عقل المتفرج وعكس الواقع المصري من دون تشويه.
بمجرد نشر الخبر، تفاعل الوسط الفني معه باستنكار شديد، واعتبر كثير من الفنانين والكتاب أنّ تلك الوصايا المطاطة كفيلة بالقضاء على الدراما أصلاً وتحويلها إلى نشرات تعليمية أو خطب وعظ وإرشاد. وبالطبع كانت لجنة الدراما في مرمى الانتقادات.
ما جعل خروج تلك التوصيات واقعياً أنّها جاءت بعد انتقادات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للدراما في منتصف الشهر الماضي، معتبراً أنّ النماذج الدرامية «الفارهة» التي قدمت خلال السنوات الأخيرة أسهمت في زيادة نسب الطلاق.
نفي لجنة الدراما ولكن!
في المقابل؛ كتب زين خيري شلبي، عضو لجنة الدراما التابعة لـ «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أنّ اللجنة لم تصدر أي توصيات تخصّ الأعمال الدرامية الجديدة، فيما شككت الكاتبة والصحافية علا الشافعي في دقة ما نشر بشأن توجيهات جديدة للدراما، قائلة: «بصفتي عضواً في لجنة الدراما في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أود توضيح عدد من النقاط بشأن ما يتداول حول دراما رمضان، أولها أنّ اللجنة لم تعقد منذ فترة، وبالتالي لا مستجدات صادرة عنها في هذا الشأن»، مشيرة إلى أنّ ما يتم داخل الاجتماعات، حين تعقد، هو نقاشات بناءة عن الدراما وتصبّ في مصلحتها فقط، ولا تتضمن أي قرار ملزم بشأن الأعمال.
لم يتوقف الأمر عند نفي أعضاء لجنة الدراما فحسب، بل عقدت لجنة الدراما برئاسة الناقدة ماجدة موريس، اجتماعاً استنكرت فيه ما نُشر عن قيود على الدراما. وأكّدت أنّ إصدار هذه التوجيهات الرقابية المسبقة أو قوائم الممنوعات، لا يدخل ضمن اختصاصاتها، وأن دورها يقتصر على تقييم ما يعرض من أعمال درامية.
أبدى الرئيس السيسي رغبته في إعادة النظر في المشهد الدرامي بشكل كامل
لم يكن نفي لجنة الدراما كافياً لحسم الأمر، خصوصاً بعد ردّ الصحافي محمود المملوك، رئيس تحرير موقع «القاهرة 24»، على بيان لجنة الدراما، قائلاً: «حسناً، فعلت لجنة الدراما في «المجلس الأعلى للإعلام» بنفيها تعليمات وممنوعات الدراما الشفهية، لكن من قال إن هذه اللجنة هي صاحبة هذه التعليمات؟! ولماذا أخذت هي وحدها على عاتقها التسرع في النفي والرد، رغم وجود لجنتين أخريين معنيتين بالملف نفسه؟!».
أوضح مملوك أن «ما نشره الموقع مدعّم بالأدلة والمستندات، وتحدث عنه الرئيس أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، ومعروف في الوسط الفني والدرامي بأكمله»، مؤكداً أنّ هذه التوصيات أو الرغبات نُقلت شفهياً إلى عدد من الكتاب وأصحاب الأعمال الدرامية.
تعدّد لجان المراقبة
هذه الحالة من الجدل والارتباك تشير إلى المشكلة الحقيقية، المتمثلة في تعدّد لجان مراقبة وتوجيه الدراما في مصر. وبعد انتهاء موسم رمضان 2025، أبدى الرئيس السيسي، في آذار (مارس) الماضي، رغبته في إعادة النظر في المشهد الدرامي بشكل كامل وتقديم أعمال إيجابية ترتقي بالذوق العام. وهو ما ترجمته الحكومة إلى تشكيل لجان متعددة لتنفيذ التوجيهات الرئاسية.
رافقت تشكيل هذه اللجان طوال الأشهر الماضية حالة كبيرة من الجدل حول الطريقة التي تشكّلت بها، وتقاطع أدوارها، فضلاً عن تخوفات من أن تصبح قيداً على الدراما والفن.
في البداية، شكلت الحكومة لجنة من كل الجهات المعنية بملف الإعلام والدراما في مصر، مثل وزارة الثقافة، و«المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، و«الهيئة الوطنية للإعلام»، وكذلك الشركات المعنية بعملية الإنتاج ومنها «الشركة المتحدة»، بالإضافة إلى عدد من المتخصصين.
كما أنّ «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، المشرفة على إنتاج غالبية الأعمال الدرامية في مصر، أعلنت هي الأخرى عن تشكيل لجنة متخصصة للمحتوى وخطط الإنتاج الدرامي، إلى جانب متابعة ورصد الأعمال المنتَجة من الشركة لتقييم نقاط القوة والضعف.
بالإضافة إلى هذه اللجان التي تم تشكيلها، كانت هناك لجنة دراما تتبع «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، تأسّست بالفعل منذ عام 2018، لكنّها شهدت بعد مدة وجيزة من تأسيسها استقالة جماعية مفاجئة من رئيسها المخرج محمد فاضل والناقدة خيرية البشلاوي، والمخرج عمر عبد العزيز بسبب ازدواجية بين عمل اللجنة ولجنة رصد أخرى في «المجلس الأعلى للإعلام». ثم أعيد تشكيلها مرة أخرى بعد حديث الرئيس، برئاسة الناقدة ماجدة موريس.
في السياق نفسه، يمتلك «المجلس القومي لحقوق الإنسان» لجنة لمتابعة الدراما وتقييم الأعمال الرمضانية ومدى ملاءمتها لمعايير حقوق الإنسان، برئاسة الناقد الفني طارق الشناوي.
كل هذه اللجان المختلفة تشكّلت رغم وجود جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، الذي يتمثل دوره أصلاً في منح الموافقات على ما يعرض من مسلسلات وأفلام.
هذه الصورة بكل تفاصيلها تعني أننا مقبلون على موسم درامي رمضاني، ربما سيتساوى فيه عدد اللجان الرقابية مع عدد المسلسلات المعروضة، فضلاً عن وصايا مسرّبة لـ«دراما نظيفة» لم يحسم بعد الجدل بشأنها… فكيف سيكون شكل هذا الموسم الرمضاني؟!
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
