أحمد مصطفى
يمثّل كشف السلطات القضائية عن تزوير وثائق وأوراق ثبوتية حصل بمقتضاها عشرات الآلاف من غير الليبيين على الجنسية، فضيحة فساد جديدة هزّت الأوساط في بلد يضرب الفساد عمق مؤسساته، كما زادت القضية من الشكوك حيال تغيّر ديموغرافي يجري العمل عليه على مدى العقد الأخير، خصوصاً في المناطق الجنوبية التي تشهد تدفّقات غير محدودة من المهاجرين غير الشرعيين.
وكشفت النيابة العامة الليبية قبل أيام عن اختراق منظومة السجل المدني المحلية، وتزوير 34 ألف قيد في السجلات، وتلاعب كبير في الأرقام الوطنية (الثبوتية) لمنح الجنسية الليبية للأجانب، لافتةً إلى اتساع رقعة شبكة الفساد لـ”تشمل مدناً مركزية على رأسها العاصمة طرابلس والزاوية (غرب ليبيا)، وبنغازي في الشرق وسبها جنوباً”، ما يشي بأن عمليات التلاعب ممنهجة. وتوعّدت بـ”معاقبة كل من امتدت يداه إلى التزوير بملفات السجل المدني وفق القانون”.
بدوره، سارع مجلس النواب إلى دق ناقوس الخطر من “التلاعب والتجاوزات بالسجلات الرسمية لمنظومة الأحوال المدنية، والمترتب عليها حصول أجانب بطرق غير مشروعة على الأرقام الوطنية، الأمر الذي يهدد الأمن القومي الليبي والهوية الليبية”، مشيراً إلى أن “تلك التجاوزات تؤدي إلى حصول المتلاعبين على امتيازات معنوية ومادية مخصصة للمواطنين الليبيين”. وطالب بـ”عدم التهاون في هذه الوقائع، وإحالة المتورطين إلى المحاكمة وفق القانون ومن دون استثناء، وذلك لصون السيادة الوطنية والحد من تسلل الهويات المزيّفة إلى داخل قاعدة البيانات الرسمية للدولة”.
ويتفق الخبير القانوني الليبي عبد الله الديباني مع تحذيرات مجلس النواب، كون ما تم الكشف عنه من عمليات تزوير واسعة “تُشكّل تهديداً للأمن القومي الليبي والحالة الديموغرافية للبلاد، خصوصاً أن أغلب الجرائم التي كُشف عنها وقعت في مناطق حدودية”.
ويقول الديباني لـ”النهار” إن النائب العام في ليبيا “كان قد شكّل لجاناً برئاسة وكلائه لفحص سجلات كل مكاتب السجل المدني، وتدقيق الأوراق الوطنية عبر التسلسل العائلي، بناءً على تقارير أمنية وردت بوجود آلاف الأشخاص يحملون الجنسية الليبية والأرقام الوطنية، وهم في الأصل غير ليبيين. وهو ما كشف عن أعداد هائلة استفادت من الانفلات الأمني الذي حدث منذ عام 2011 للحصول على مكاسب، وقد تمت إحالة البعض ممن تورطوا إلى محكمة الجنايات، ولا تزال التحقيقات جارية”.
ويشير الديباني إلى أن قانون العقوبات الليبي عالج مثل تلك القضايا، إذ ينصّ على جرائم تزوير الأوراق الرسمية واستخدامها، ويجرّم الموظف العمومي الذي تواطأ في التزوير بجريمة استخدام عمله لتحقيق مصلحة خاصة، وكذلك يُعاقَب الشخص الذي تقدّم للحصول على أوراق ثبوتية مزوّرة، ويتم إسقاط الجنسية عنه والرقم الوطني، كما أن أي فائدة يحصل عليها، كالمنح الحكومية، تُشكّل جريمة إثراء بمستندات مزوّرة.
أستاذ القانون العام مجدي الشبعاني يُعبّر هو الآخر عن قلقه الشديد، “لأن ما كُشف عنه ليس جريمة تزوير فردية يُحقق فيها الادعاء العام، وإنما عملية ممنهجة تطال كافة مكاتب السجل المدني في المدن المركزية وحتى الحدودية، وهو مؤشر على أن هذا العمل فساد منظّم يستهدف الأمن القومي، لأن الأعداد ضخمة، وهو ما يخلق لنا شعباً ليبياً جديداً”.
ويضيف الشبعاني في حديثه لـ”النهار”: “ما حصل هو استغلال للحالة التي تعيشها البلاد، بالعمل على تغيير تركيبتها الديموغرافية، كما يحمل إشارات إلى تواطؤ مسؤولين كبار في الدولة”.
ويتفق الشبعاني مع الديباني في أن عمليات تزوير الأوراق الثبوتية بدأت منذ عام 2011، و”كان الهدف في البداية الحصول على المنح والدعم الحكومي، وبعضهم كان يحصل على الاعتمادات الدولارية من المصرف المركزي، كما حصل عدد من عناصر التنظيمات الراديكالية، مثل داعش، على الجنسيات وجوازات سفر ليبية، وهناك دراسات تكشف عن تضخّم في أعداد قبائل ليبية تتمركز في المناطق الحدودية ولها امتدادات داخل دول مجاورة”، لافتاً إلى “خلل واضح في منظومة السجل المدني وعدم ربطها بآليات إلكترونية دقيقة، ما سهّل التلاعب بها واختراقها”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
