آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » «بي. بي. سي» تغسل أيدي الإمبراطورية من دماء غزة

«بي. بي. سي» تغسل أيدي الإمبراطورية من دماء غزة

 

علي سرور

 

قرار «هيئة الإذاعة البريطانية» التراجع عن عرض وثائقي لـDeclassified UK، يوثّق أكثر من 500 طلعة استطلاع بريطانية فوق غزّة وتبادل معلومات استخباراتية مع إسرائيل، فجّر نقاشاً حول المهنية الإعلامية. التبرير بـ«غياب الحياد» أعاد طرح أسئلة عن التغطية الانتقائية، وحجب الوقائع حين تمسّ مسؤولية الحكومات الغربية

 

 

تتغنّى العواصم الغربية بالشعارات الرنّانة مثل حريّة الصحافة ومفاهيم الديموقراطية، وتُشنّ الحروب تحت عناوين حقوق الإنسان. لكنّ دماء عشرات آلاف الفلسطينيين عرّت حكومات وكيانات ومؤسسات بشكل لا لبس فيه، حيث لا يقف أي حجر عثرة من أجل تحقيق مصالح إسرائيل.

 

آخر فصول هذه السياسة تجلّى في تراجع شبكة «بي. بي. سي» في نهاية الأسبوع الماضي، عن عرض وثائقي أعدّه موقع Declassified UK، يفضح بالوقائع انخراط الحكومة البريطانية ورئيسها، كير ستارمر، في دعم إسرائيل عسكرياً بشكل مباشر خلال حربها على غزّة.

 

القرار، الذي برّرته الشبكة العالمية بذريعة «غياب الحياد»، لم يمرّ بهدوء، بل أثار موجة انتقادات واسعة وطرح أسئلة ثقيلة حول حدود المهنية حين تتقاطع الصحافة مع السياسة، وحين تقترب الكاميرا أكثر مما ينبغي من مراكز القرار وكشف الحقيقة، خصوصاً عندما يتعلّق الموضوع بنقل الصورة المخفيّة في الكواليس والإظهار أمام أعين الشعوب مدى انغماس الحكومات حتى الأذنين كرمى لعيون مرتكبي الإبادة في تل أبيب.

 

الحياد بوصفه ذريعةً

ادّعت الشبكة البريطانية أنّها لم تجد في الوثائقي «توازناً كافياً»، فهي لا تستحي من محاولة وضع الجلّاد والضحيّة على قدم المساواة. كما إنّ المفارقة أنّ العمل ذاته حظي بإشادة لجنة تحكيم مستقلة وصفته بأنّه «صادم، لا يُنسى، وشهادة شجاعة على نقل الحقيقة من غزّة».

 

وبين الموقفين، يبرز تساؤل جوهري: أيّ حياد يُطلب من الصحافة حين تتعلّق الوقائع باستهداف أطباء، وقصف مستشفيات، ومشاركة استخباراتية موثّقة في حرب مدمّرة؟

اللافت أنّ هذا التبرير جاء في سياق أوسع من الانتقادات الموجّهة إلى «بي. بي. سي» بشأن تغطيتها للحرب على غزّة، حيث تُتّهم الشبكة، منذ سنتين، بتبنّي لغة انتقائية، وتقديم سردية تُقلّل من حجم الجرائم الواقعة بحقّ المدنيّين الفلسطينيّين.

 

بريطانيا شريكة في الإبادة

يكشف تقرير Declassified UK أنّ سلاح الجو البريطاني نفّذ أكثر من 500 طلعة استطلاع فوق غزّة منذ كانون الأوّل (ديسمبر) 2023، وتَشارك بياناتها الاستخباراتية بشكل مباشر مع إسرائيل. ورغم خطورة هذه المعطيات، لم يأتِ ذكر هذه الطلعات سوى أربع مرّات على موقع «بي. بي. سي»، حتى في أيّام تزامنت مع مجازر كبيرة وسقوط عمّال إغاثة بريطانيّين.

 

وفي مواجهة هذه الوقائع، حاول مدير المحتوى الإخباري في الشبكة التقليل من أهميّة الدور البريطاني، معتبراً أنّ «المساهمة الأميركية هي الأساسية». غير أنّ هذا الطرح قوبل باعتراضات داخل البرلمان نفسه، إذ رأى نوّاب أنّ «التقليل من دور بريطانيا خطأ جوهري»، لا ينسجم مع المعطيات المتاحة.

 

منبر لغسل يدي إسرائيل

تزامن الجدل مع صدور دراسة موسّعة عن «مركز مراقبة الإعلام» (CFMM)، حلّلت ما مجموعه 3873 مقالاً و32092 مقطعاً إذاعياً لـ«بي. بي. سي» خلال العام الأوّل من الحرب على قطاع غزة. وخلصت النتائج إلى ما يشبه «هرمية في قيمة الحياة الإنسانية»، إذ استُخدمت مفردات مثل «مجزرة» و«قتل» و«وحشي» بشكل مكثّف عند الحديث عن القتلى الإسرائيليّين، فيما غابت هذه اللغة بشكل شبه كلي عند توصيف ما يتعرّض له الفلسطينيّون، رغم حجم الدمار وعدد الضحايا.

 

لا تستحي BBC من وضع الجلّاد والضحيّة على قدم المساواة

 

 

أظهرت الدراسة أيضاً أنّ الضيوف الإسرائيليّين حظيوا بمساحة مضاعفة على الهواء، وأنّ المذيعين ضغطوا مراراً على المتحدّثين الفلسطينيّين لإدانة أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، من دون طرح أيّ سؤال موازٍ حول الجرائم الإسرائيلية. وفي أكثر من مئة مقابلة، جرى قطع النقاش فور الاقتراب من توصيف ما يجري في غزّة على أنّه «إبادة».

 

إعلام البلاط لا الشعوب

الوثائقي الذي أعدّته Declassified UK ورفضته «بي. بي. سي» لم يتوقّف عند الأرقام والوثائق، بل انتقل إلى الميدان، كاشفاً عن دور القواعد البريطانية في قبرص، حيث تُشغَّل طائرات استطلاع، بعضها عبر شركة أميركية متعاقدة مع لندن، قادرة على نقل معلومات حيّة إلى «الجيش» الإسرائيلي. لكنّ المشكلة الأخلاقية التي طرحها العمل على الجمهور البريطاني تكمن في أنه حتّى العائلات البريطانية التي قُتل أبناؤها في غزّة خلال عملهم التطوعي الخيري، حُرمت من الوصول إلى هذه البيانات، فما مصير العدالة بالنسبة إلى الضحايا الفلسطينيّين؟

 

من هنا، لم يعد السؤال مقتصراً على سبب تراجع «بي. بي. سي» عن عرض الوثائقي، بل عن مدى عمق انخراط المنظومات الغربية في خدمة آلة الحرب الإسرائيلية.

 

في المحصّلة، يعدّ هذا الملفّ نقطة أخرى بين محطات عدّة تكشف كيف يتحوّل «الحياد» إلى أداة انتقائية، تُستخدم لإسكات رواية وإخفاء الحقيقة البشعة. وبينما تتراكم الأدلة على انخراط بريطاني مباشر في الحرب على غزّة، يبدو أنّ كلفة الحقيقة ما تزال أعلى من أن تتحمّلها مؤسّسات يُفترض أنّها وُجدت لخدمة الجمهور، لا لحماية الحكومات.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير التربية يدعو إلى تعزيز المتابعة الميدانية للمدارس

دينا عبد: عقد وزير التربية والتعليم الدكتور “محمد عبد الرحمن تركو” اجتماعاً دورياً مع مديري التربية في المحافظات والمديرين المركزيين في الوزارة، جرى خلاله مناقشة ...