آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » تفعيل الشراكة السورية-الأوروبية.. كيف يمكن لسوريا إحياء التعاون الأورومتوسطي؟

تفعيل الشراكة السورية-الأوروبية.. كيف يمكن لسوريا إحياء التعاون الأورومتوسطي؟

هبا أحمد:

 

مع توسيع انخراط سوريا في محيطها الإقليمي والعربي، وصولا إلى الانخراط الدولي اللافت في مختلف المؤسسات والمنظمات الدولية والشراكات، تبرز أوروبا كشريك محتمل وفاعل في هذا السياق. وما عطلته السياسة السابقة لأكثر من عقد ونصف، تعود السياسة الجديدة للبلاد، مع الجغرافيا، لتفرضه وبقوة، تبعا لضرورات المرحلة ولجميع الأطراف.

 

صحيح أن سوريا، بعد سنوات الحرب، تحتاج إلى شراكات جديدة ونوعية وواسعة، وتحتاج إلى دعم جميع الأطراف وعلى مختلف الصعد، وعلى نحو خاص في المجال الاقتصادي، ولا سيما في مرحلة إعادة الإعمار الشاملة. لكن هذا لا ينفي أن الأطراف الأخرى بحاجة إلى سوريا ووجودها الدولي على الساحة، سياسيا واقتصاديا، انطلاقا من دورها في التوازنات الدولية، إضافة إلى ذلك، والأهم، موقعها الجغرافي الجيوسياسي المهم وما يوفره من فرص.

 

وتشير منصة الطاقة المتخصصة إلى أن مشروع الهيدروجين الأخضر السعودي قد يمر عبر الأراضي السورية في طريقه إلى أوروبا، مما يمنح دمشق أهمية جيوسياسية مضاعفة وفرصا لجني رسوم عبور.

 

في ظل ذلك، يعود الحديث عن الشراكة السورية-الأوروبية ضمن الشراكة الأورومتوسطية، في محاولة لإعادة صياغة العلاقة على أساس شراكة متوازنة ومسؤوليات مشتركة في مجالات التنمية والطاقة والمناخ والهجرة والربط الاقتصادي، ولا سيما في ظل توجه سوريا لإرساء أسس الاستقرار. وهذا عامل، أي الاستقرار، ظل على الدوام يحمل أهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي، الذي يرى أن الاستقرار والازدهار في الحافة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط هما ركنان أساسيان لرفاه الاتحاد.

 

دور في الحوار الإقليمي

بعد 14 عاما من تجميد الاتحاد الأوروبي اتفاقية الشراكة التي كان يطمح من خلالها إلى تحسين الحياة السياسية والاقتصادية في سوريا، وتعليق التعاون الثنائي، عادت سوريا إلى ساحة الشراكة الأوروبية من خلال استعادة عضويتها الكاملة في الاتحاد من أجل المتوسط في تموز/يوليو الماضي. لتشارك بعدها في المنتدى الإقليمي العاشر للاتحاد، الذي انعقد أواخر الشهر الماضي، ورحب الاتحاد باستعادة سوريا لعضويتها رسميا باعتبارها استعادة لدور سوريا في الحوار الإقليمي وفرصة لتعزيز التعاون الشامل في المنطقة.

 

918848.jpeg تفعيل الشراكة السورية-الأوروبية.. كيف يمكن لسوريا إحياء التعاون الأورومتوسطي؟

وأتت المشاركة السورية في المنتدى، وإطلاق ميثاق المتوسط الجديد، الذي شهده المنتدى، في سياق استراتيجية أوسع لإعادة ضبط علاقات سوريا مع شركائها الإقليميين، بعد سنوات طويلة من العزلة السياسية والدبلوماسية.

 

ويهدف الميثاق الجديد إلى خلق إطار للتعاون متعدد الأبعاد، يشمل التنمية والطاقة والمناخ والهجرة والربط الاقتصادي، وإعادة صياغة العلاقة بين دول الاتحاد والدول الجنوبية.

 

ووفقا لتقارير إعلامية، فإن عودة سوريا إلى الاتحاد ليست مجرد حضور رمزي، بل فرصة لتعزيز مكانتها في النقاشات الاستراتيجية الإقليمية وإظهار استعدادها للانخراط في مشاريع تعاون ملموسة.

 

ومن المعروف أن سوريا يمكن أن تلعب دورا محوريا في الربط البري عبر ممرات تجارية، خصوصا مع إعادة تأهيل البنية التحتية، وبوابة طبيعية استراتيجية تربط أوروبا بآسيا ودول الخليج، مما يمنحها مرونة لوجستية عالية.

 

وبحسب بيانات شركة “سكواير باتون بوغز”، كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لسوريا قبل عام 2011 (نحو 7.18 مليارات يورو)، وتراجعت هذه القيمة إلى 396 مليونا عام 2023 بفعل العقوبات الصارمة التي فرضت خلال الحرب.

 

مؤشرات إحياء الشراكة السورية-الأوروبية

يرى الباحث الاقتصادي إيهاب اسمندر، في تصريح لـ”الثورة السورية”، أن هناك عدة مؤشرات تسمح بإعادة إحياء الشراكة السورية-الأوروبية، من بينها تعليق الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات على قطاعات مثل الطاقة والنقل، وإزالة بعض المصارف السورية من القوائم السوداء، وعودة التمثيل الدبلوماسي (كإعادة ألمانيا فتح سفارتها في دمشق) وزيارات رفيعة المستوى، واستعادة سوريا عضويتها في “الاتحاد من أجل المتوسط” التابع للاتحاد الأوروبي.

 

ويوضح الباحث الاقتصادي أن الهدف الأساسي للاتحاد الأوروبي من الشراكة مع سوريا هو معالجة قضايا تهمه (مكافحة الإرهاب، إدارة الهجرة، والحد من تدفق اللاجئين…). إضافة إلى أن هناك مصلحة جيوسياسية للاتحاد الأوروبي بالشراكة مع سوريا، وهي الحفاظ على نفوذ في مواجهة القوى الدولية الأخرى الناشطة في المنطقة.

 

في حال إتمام الشراكة، يستعرض الباحث اسمندر جملة من المكاسب على المدى القصير والطويل. ومن بين المكاسب قصيرة المدى المحتملة تسهيل التحويلات والمعاملات المصرفية الدولية وتخفيف العزلة عن سوريا، واستئناف العمل التجاري عبر موانئ مثل اللاذقية وطرطوس، وتفعيل الموانئ السورية، وتحقيق دخل من رسوم عبور البضائع (عائدات عبور) إذا أصبحت سوريا ممرا معتمدا.

 

المكاسب الهيكلية طويلة المدى قد تشهد السوق تدفقا أكبر للسلع الأوروبية الصناعية، ومن الممكن أن يفتح التعاون مع أوروبا ضمن الشراكة إمكانية الوصول إلى تمويل وتكنولوجيا أوروبية لمشاريع إعادة الإعمار الضخمة التي تقدر تكاليفها بمئات المليارات من الدولارات، خاصة في الطاقة والمياه والبنية التحتية.

 

ورغم أن سوريا تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على مفترق طرق ثلاث قارات، وبالتالي يمكن أن تكون ممرا طبيعيا بين آسيا وأوروبا، خاصة للطرق البرية كبديل جزئي للممرات البحرية الأطول، لكن يشير الباحث الاقتصادي إلى جملة من التحديات التي يمكن أن تعترض فرصتها في أن تلعب دورا وأن تكون نقطة ارتباط بين أوروبا وآسيا في الوقت الحالي، لأسباب منها تضرر شبكات الطرق والسكك الحديدية والموانئ بشكل كبير.

 

ملامح الفرص الاقتصادية

تهدف الدول الأوروبية إلى تحقيق الاستقرار في سوريا وفق حساباتها، لأن سوريا تتمتع بموارد طبيعية وبشرية غنية جدا، وهي تسعى نحو إزالة العقوبات لتعزيز تعافي الاقتصاد الوطني وتحقيق النمو والازدهار.

 

ويقول الباحث الدكتور أسامة بيطار في تصريح لـ”الثورة السورية”: هناك هدف آخر هو إنشاء علاقات اقتصادية طبيعية مع سوريا، التي ستفتح آفاقا لشراكات اقتصادية كبرى ستراعي المصالح الاقتصادية بين الطرفين، سوريا والاتحاد الأوروبي، وهي ستضمن حقوق المستثمرين الذين سيأتون للاستثمار، إضافة إلى دعم التعليم في القطاعين التربوي والتعليم العالي لأنه أساس الانفتاح والتطور على الصعيد الداخلي والخارجي.

 

وأضاف بيطار: “مصلحة الدول الأوروبية من تعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا، كونها سوقا كبيرا يحمل في طياته استثمارات كبيرة بمختلف القطاعات الاقتصادية والحيوية، وهو بدوره يؤدي إلى تطور سوريا على جميع الأصعدة الاقتصادية والحيوية والسياسية”.

 

وتتجلى ملامح الفرص الاقتصادية في الشراكة السورية-الأوروبية، وفقا لبيطار، في إعادة إعمار سوريا وبناء البنية التحتية، وفي القطاعات الإنتاجية والطاقة والدعم المؤسساتي لها. إذ إن، حسب دراسة سابقة، ستكلف إعادة إعمار سوريا حوالي 400 مليار دولار، وهي فرصة ضخمة وجيدة جدا للشركات الأوروبية في قطاع البناء والتشييد. كما أن سوريا تعد ممرا استثماريا وتجاريا، خاصة إذا توازى هذا الأمر مع تعافي الاقتصاد، وبالتالي يؤدي إلى جاذبية سوريا للمستثمرين للاستثمار فيها.

 

وهنا لفت الباحث إلى توقيع الاتفاقيات في مجال قطاع الطاقة مع دول عديدة مثل السعودية وقطر، لتقديم خدمات الدعم الفني لحقول الغاز والنفط، وهو استثمار هام.

 

بالنسبة للقطاعات الإنتاجية، لدى سوريا حاجة ماسة لسد الفجوة في السلع والخدمات الرئيسية. وبالتالي، حسب بيطار، فإن ذلك سيفتح الباب أمام القطاع الخاص السوري للاستثمار في مجالات الزراعة والصناعة ومحاولة منافسة القطاع الأوروبي الذي سيدخل السوق السورية.

 

بالنسبة للدعم المؤسساتي والفني، يوفر الاتحاد الأوروبي الدعم من خلال البرامج التدريبية لمراكز الدعم الفنية وفق معايير أوروبية، حيث جرى في هذا السياق لقاء مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من الرؤية الأوروبية لإعداد الموازنة العامة في سوريا وكيفية تنظيمها لتواكب المعايير المحاسبية الدولية.

 

ويخلص بيطار إلى أن الهدف من الشراكة السورية-الأوروبية إعادة دمج سوريا اقتصاديا وتنشيط القطاعات الاقتصادية وجذب الاستثمارات الضخمة لإعادة الإعمار، وتوفير فرص العمل وتخفيف العقوبات من خلال اتفاقيات شراكة مع الدول الأوروبية، على أساسها تخفض الرسوم الجمركية ويقدم الدعم الفني، والأهم تفعيل القطاع المصرفي ودعمه، وهو ما يفتح بابا للنمو المستدام في سوريا.

 

مصلحة الاتحاد

أكدت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في تصريحات يوم الاثنين، أن تحقيق الاستقرار والتقدم في سوريا يصب في مصلحة الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن الملف السوري حاضر ضمن النقاشات الجارية بين الدول الأعضاء حول تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

 

وقالت كالاس، في تصريحات نقلتها دائرة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي عبر تدوينة على حسابها الرسمي في منصة “إكس”: إن الاجتماع الأوروبي الذي سيعقد في بروكسل سيبحث الأوضاع في الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا ولبنان.

 

وعقب رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا، أيار/مايو الماضي، اقترحت المفوضية الأوروبية تخصيص 175 مليون يورو للتعافي الاجتماعي والاقتصادي لسوريا. ومن شأن التمويل الجديد أن يسهم في دعم المؤسسات العامة السورية بمساعدة خبراء من سوريا ودول أخرى، ودعم المبادرات المجتمعية والشاملة في مختلف المجالات، وتنشيط الاقتصادات الريفية والحضرية من خلال دعم سبل العيش وخلق فرص العمل في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد، وزيادة فرص الحصول على التمويل للفئات الأكثر ضعفا وتعزيز العدالة الانتقالية والمساءلة وحقوق الإنسان.

 

وخلال سنوات الثورة استضافت أوروبا أكثر من مليون لاجئ، وبلغت حصة ألمانيا 35%، في حين استقبلت النمسا أكبر نسبة مقارنة بعدد سكانها.

 

مراحل العلاقة قبل 2011

وقبل 2011 مرت العلاقة الأوروبية-السورية بالعديد من المراحل. في عام 1977، وقع الاتحاد الأوروبي وسوريا اتفاقية تعاون شكلت أساس الشراكة بين الطرفين. وفي عام 1995، انضمت سوريا إلى عملية برشلونة وسياسة الجوار الأوروبي، وكان الاتحاد يهدف من ورائها إلى نقل دمشق إلى موقع متقدم على مستوى السياسة والاقتصاد.

 

وبين عامي 2004 و2008، وقع الطرفان مزيدا من الاتفاقيات الثنائية، وانضمت سوريا من خلالها إلى الاتحاد من أجل المتوسط. وفي عام 2009، وقع الطرفان مشروع اتفاقية الشراكة بشكل رسمي، كان من شأنها أن تكتب فصلا جديدا، لكن الاتحاد الأوروبي جمد العلاقة منذ 2011.

 

والشراكة الأورومتوسطية، أو عملية برشلونة، أو يوروميد (بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي، الذي اقترحته إسبانيا ونظمه الاتحاد الأوروبي لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على البحر المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا).

 

كما اقترح فيه العديد من السياسات، من بينها الأمن والاستقرار في منطقة البحر المتوسط، وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، وتحقيق شروط تجارية متبادلة مرضية لشركاء المنطقة. وضعت تلك الشراكة الأسس لما بات يعرف بالاتحاد من أجل المتوسط وبناء مؤسساته، دون أن يحل محل الشراكة الأورومتوسطية.

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اتحاد غرف التجارة السورية يبحث مع وفد نمساوي تعزيز التعاون الاقتصادي

بحث مستشار رئيس اتحاد غرف التجارة السورية أنس البو، مع المستشار التجاري في السفارة النمساوية بعمان هيرفيغ نويبر، والمستشار الاقتصادي للسفارة النمساوية في دمشق أكرم ...