نهلة ابوتك:
يعكس انتشار أزهار النرجس في ريف اللاذقية بعد موسم الأمطار حالة تجدد طبيعي، ترتبط بالذاكرة الشعبية بمعاني الصبر والأمل واستمرار الحياة.
فمع انحسار برد الشتاء، تظهر هذه الزهرة بهدوء في الحقول والحدائق والمساحات البرية، كأنها رسالة صامتة من الطبيعة تؤكد أن الحياة، مهما تثاقلت فصولها، قادرة دائماً على العودة.
زهرة الذاكرة… حين تتكلم الطبيعة..
لا يحضر النرجس في ريف اللاذقية بوصفه عنصراً جمالياً عابراً، بل كجزء من المشهد الثقافي والوجداني للمكان، فظهوره السنوي ارتبط بالوعي الجمعي ببدايات الربيع، وبطقوس بسيطة مارسها الناس دون أن يدوّنوها، لكنها استقرت في الذاكرة، مثل قطاف الزهور، أو وضعها في زوايا البيوت، أو الاكتفاء بتأملها في الحقول.
في هذه المساحة بين الطبيعة والإنسان، يتحول النرجس إلى شاهد على علاقة قديمة بين الأرض وسكانها، علاقة قائمة على الصبر وانتظار المواسم، وعلى فهمٍ غير معلن لإيقاع الحياة.
المعنى قبل الفائدة… النرجس في التراث الشعبي
وفي هذا السياق، يوضح العطار ميهوب إسماعيل من ريف اللاذقية أن زهرة النرجس احتلت مكانة خاصة في التراث الشعبي، ليس فقط لما نُسب إليها من فوائد علاجية، بل لما حملته من دلالات نفسية وروحية.
ويشير إلى أن زيت النرجس استُخدم تقليدياً لتهدئة الأعصاب وتخفيف بعض الآلام، إلا أن قيمته الأعمق تكمن في حضوره الهادئ الذي يمنح شعوراً بالطمأنينة والراحة.
ويضيف إن النرجس يعلّم الإنسان معنى الانتظار، إذ يبقى كامناً طوال فصل الشتاء، ليظهر في وقته، دون استعجال، في صورة تختصر فلسفة الطبيعة في الصبر والتجدد.
بين الأسطورة والهوية… نرجس آخر
في الأسطورة اليونانية، ارتبط النرجس بحكاية الشاب الذي افتتن بصورته حتى الفناء، فحملت الزهرة اسمه، وأُسقطت عليها دلالات الأنانية والتمركز حول الذات.
غير أن هذا المعنى لا يجد له مكاناً في الثقافة الشعبية السورية، حيث يُنظر إلى النرجس كرمز للجمال الصافي والروحانية، بعيداً عن الأنا، وقريباً من فكرة التوازن بين الإنسان والطبيعة.
هنا، يصبح النرجس زهرة هوية لا أسطورة، ومرآة للبساطة لا للغرور، وعلامة على حضور الطبيعة كقيمة ثقافية لا كخلفية صامتة.
العطر كذاكرة… قراءة ثقافية علمية
ومن منظور علمي ثقافي، تحمل أزهار النرجس زيوتاً عطرية ذات تأثير مهدئ، وهو ما يفسر ارتباط رائحتها بالراحة النفسية والسكينة، غير أن هذا الأثر لا ينفصل عن الذاكرة، فالعطر غالباً ما يستدعي المكان والطفولة والمواسم، ليصبح جزءاً من تجربة شعورية كاملة، تتجاوز الفائدة المادية إلى الإحساس.
النرجس… زهرة تقاوم النسيان
في اللاذقية، يواصل النرجس حضوره عاماً بعد عام، كزهرة تقاوم النسيان، وتعيد وصل الإنسان بمواسمه، وبإيقاع الأرض الذي لا يختل، يظل النرجس تذكيراً بأن الجمال لا يحتاج إلى ضجيج، وأن الأمل قد يكون صغيراً… لكنه دائم الحضور.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
