آخر الأخبار
الرئيسية » السياحة و التاريخ » توضيح مهم جدًا حول ما جرى في مركز الوثائق التاريخية بدمشق … 

توضيح مهم جدًا حول ما جرى في مركز الوثائق التاريخية بدمشق … 

 

عمار محمد النهار

 

 

كثرت خلال الساعات الماضية الأخبار والمنشورات التي تتحدث عن سرقة مركز الوثائق التاريخية في دمشق، وهو مركز يضم ملايين الوثائق التي تعود إلى ما يقارب أربعة قرون من تاريخ دمشق وبلاد الشام في العصر العثماني.

ولأن الأمر شديد الحساسية ويتعلق بذاكرة مدينة وتاريخ أمة، لا بد من قول الحقيقة كاملة، بعيدًا عن التهويل أو المعلومات غير الدقيقة.

أولًا، نعم، حدثت سرقة في مبنى مركز الوثائق التاريخية، لكن من الضروري توضيح نقطة جوهرية:

الوثائق التاريخية الأصلية ليست موجودة في هذا المركز منذ سنوات.

والقصة تعود إلى عام 2012، حين كان الدكتور مأمون عبد الكريم مديرًا عامًا للآثار والمتاحف، في ذلك الوقت، وبسبب خطورة الوضع الأمني، أدرك الرجل حجم الكارثة المحتملة إن بقيت هذه الوثائق في مكانها، فبادر إلى اتخاذ قرار جريء بنقل وثائق مركز الوثائق التاريخية إلى مكان آمن، آنذاك كنت مع الدكتور مأمون وفي قلب الموضوع معه.

هذا القرار قوبل حينها بمعارضة شديدة جدًا، وصلت إلى حد الهجوم الإعلامي والتشكيك والتجريح، وشاركت فيه جهات رسمية نافذة، من بينها – كما هو معروف – مستشارة بشار الأسد آنذاك بثينة شعبان.

وكتبت صحف رسمية، مثل جريدة تشرين، مقالات قاسية ضده، وحورب الرجل بشدة، لكنه أصرّ على موقفه، لأن ما كان يهمه هو إنقاذ الوثائق، لا إرضاء أحد.

وبالفعل، تم نقل الوثائق تباعًا إلى المتحف الوطني بدمشق، حيث وُضعت في أقبية وقاعات مخصصة تحت الأرض، بجدران إسمنتية سميكة (تصل قرابة المتر)، ومجهزة تجهيزًا علميًا وتقنيًا عالي المستوى.

وكان للإيطاليين دور مهم في هذا العمل، إذ قدموا رفوفًا حديدية خاصة، وأجهزة تحكم بالحرارة والرطوبة، وأنظمة حديثة لحفظ الوثائق وفق المعايير الدولية.

هذا الإجراء لم يكن رفاهية، بل ضرورة قصوى، لأن موقع مركز الوثائق القديم:

لم يكن آمنًا عسكريًا (في بلد يعيش حربًا مفتوحة)

ولا آمنًا بيئيًا (رطوبة، فئران، جرذان، أخطار تلف تدريجي)

وكان يمكن لقذيفة واحدة، أو حريق، أن تمحو قرونًا كاملة من تاريخ دمشق في لحظة واحدة.

وهنا نصل إلى نقطة مهمة جدًا:

في عام 2023، عندما حدث حريق في مبنى مركز الوثائق التاريخية، كتب كثيرون – بحسن نية أو بغيرها – أن الوثائق قد احترقت.

وهذا غير صحيح إطلاقًا، لأن الوثائق كانت قد نُقلت قبل ذلك بسنوات، بفضل قرار د. مأمون عبد الكريم.

والأمر نفسه ينطبق على ما جرى البارحة.

ما كُتب عن “سرقة الوثائق” غير دقيق، لأن الوثائق لم تعد موجودة أصلًا في المركز.

ولو كانت لا تزال هناك، لكانت إما احترقت في حريق 2023، أو تعرّضت اليوم للسرقة أو التلف.

أقول هذا عن معرفة مباشرة، وعن تواصل مستمر مع د. مأمون عبد الكريم على مدى سنوات، وكان دائمًا يكرر لي – بحسّ المؤرخ المسؤول – قوله: الحمد لله أنني قمت بهذا العمل وأنقذت الوثائق.

وتحدثنا بالأمس أيضًا، وأعاد التأكيد على الأمر نفسه.

ما قام به د. مأمون عبد الكريم عمل جبار، وقرار تاريخي، وسيُذكر له مهما حاول البعض تجاهله أو تشويهه.

لقد أنقذ ذاكرة دمشق وبلاد الشام من الضياع، في وقت كان فيه اتخاذ مثل هذا القرار مغامرة شخصية ومهنية حقيقية.

من حق الناس أن تقلق، ومن واجبنا أن نحمي الوثيقة التاريخية،

لكن من واجبنا أيضًا أن نقول الحقيقة كما هي، وأن نُعطي الفضل لأهله.

الوثائق أُنجيت… وهذه حقيقة يجب أن تُقال.

 

(اخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إعادة فتح متحف اللوفر في باريس جزئيا رغم إضراب الموظفين

أُعيد فتح اللوفر جزئيا الأربعاء في باريس بعد إغلاقه الاثنين بسبب إضراب، رغم قرار الموظفين بالإجماع مواصلة احتجاجهم، في ظل الاضطرابات التي يشهدها هذا المتحف ...