آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » سوريا بلا عقوبات:  الفرصة التي تحدّد مستقبل الدولة 

سوريا بلا عقوبات:  الفرصة التي تحدّد مستقبل الدولة 

 

 

د. سلمان ريا

 

لم تكن العقوبات المفروضة على سوريا مجرد أداة ضغط خارجية، بل تحوّلت مع مرور الزمن إلى بنية أثّرت في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وأسهمت في إعادة تشكيل الحياة العامة على إيقاع الاستثناء لا التخطيط. من هنا، فإن الحديث عن سوريا بلا عقوبات لا يمكن مقاربته كإجراء إداري أو تحوّل تقني، بل كلحظة مفصلية تضع الدولة والمجتمع أمام اختبار حقيقي.

 

اقتصاديًا، فرضت العقوبات سقفًا زجاجيًا على الحركة الطبيعية للاقتصاد السوري، فدفعت به إلى العمل في الظل، والاعتماد على آليات التفاف بديلة. رفع العقوبات لا يعني بالضرورة انتعاشًا فوريًا، لكنه يعني كسر الحلقة المغلقة التي عطّلت التحويلات المصرفية النظامية، ومنعت استيراد التكنولوجيا والمواد الأولية، وقيّدت الاستثمار المنتج. الأثر الأعمق لا يتمثّل فقط بما يمكن أن يتحرّك، بل بما يمكن أن يسقط أيضًا، وعلى رأسه اقتصاد التهريب والسوق السوداء وشبكات المصالح التي استفادت من الحصار أكثر مما قاومته.

 

اجتماعيًا، لا تُقاس العقوبات بمؤشرات التضخم والفقر وحدها، بل بما خلّفته من تآكل في المعنى اليومي للحياة. حين يصبح تأمين الدواء والغذاء والطاقة هاجسًا دائمًا، يتحوّل المجتمع إلى حالة استنزاف مستمر، ويغيب الأفق الطويل لصالح منطق البقاء. إن رفع العقوبات لا يعيد الاستقرار الاجتماعي تلقائيًا، لكنه يفتح الباب أمام استعادة فكرة المستقبل، وهي شرط لا غنى عنه لأي عملية تعافٍ حقيقية.

 

سياسيًا، يمثّل غياب العقوبات نهاية واحدة من أكثر الذرائع حضورًا في الخطاب العام. فمع تراجع العامل الخارجي، تنتقل المسؤولية بشكل أوضح إلى الداخل، إلى الأداء المؤسسي، وإلى السياسات العامة، وإلى قدرة الدولة على إدارة الموارد والفرص. في هذا السياق، لا يشكّل رفع العقوبات حماية لأي طرف، بل يفرض مستوى أعلى من الشفافية والمساءلة، ويعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس الفعل لا التبرير.

 

غير أن مرحلة ما بعد العقوبات لا تُنتج واقعًا محايدًا. فهي تعيد رسم خريطة المصالح، وتطرح سؤالًا أساسيًا حول كيفية إدارة الانفتاح. فإما أن يتحوّل إلى فرصة لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وضبط السوق، وتحفيز الإنتاج، بما يخدم المصلحة العامة، وإما أن يُستثمر بطريقة تعيد إنتاج الاختلالات السابقة بأشكال جديدة. وبين هذين المسارين، يبرز خطر ثالث يتمثّل في انفتاح غير منضبط، يوسّع الفجوة الاجتماعية ويقوّض الثقة العامة.

 

استراتيجيًا، تعني سوريا بلا عقوبات إعادة طرح سؤال الدور والموقع. هل تكون هذه المرحلة مدخلًا لعودة سوريا إلى محيطها الإقليمي والدولي بوصفها دولة فاعلة ذات سيادة، أم تبقى ساحة تتقاطع فيها المصالح؟ وهل يصبح ملف إعادة الإعمار مشروع دولة يخضع لأولويات وطنية واضحة، أم يتحوّل إلى مجال تنافس ضيق؟

 

يبقى السؤال الأعمق: هل رفع العقوبات شرط للتغيير أم اختبار له؟ من الواضح أن العقوبات شكّلت عبئًا ثقيلًا على المجتمع والاقتصاد، لكن الأوضح أن غيابها يضع الجميع أمام مسؤوليات مباشرة. فإذا ترافق الانفتاح مع إصلاحات مؤسسية وإدارية حقيقية، فإن رفع العقوبات يكون قد فتح باب التعافي. أما إذا استمر التعثّر، فإن المشكلة تكون في الداخل لا في الخارج.

 

في المحصلة، سوريا بلا عقوبات لا تعني نهاية التحديات، لكنها تعني نهاية الأعذار. إنها لحظة اختبار لقدرة الدولة على التحوّل من إدارة الأزمة إلى بناء المستقبل، ولقدرة المجتمع على استعادة ثقته بأن الغد ممكن.

 

(موقع :اخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اللي استحوا ماتوا”…!!

    سمير حماد   في روايته 1984 / كان محقاً جورج أورويل عندما قال : إن العالم في نهايات القرن العشرين وبداية ما بعده ...