نهلة ابوتك:
في مرحلة ما بعد التحرير، لم يعد الإعلام السوري مجرّد وسيط ينقل الحدث، بل بات فاعلًا أخلاقياً في معركة أكثر عمقاً: ترميم ما كسرته الحرب في الوعي والذاكرة والعلاقات المجتمعية. فالكلمة اليوم لا تُقاس بسرعة انتشارها، بل بقدرتها على التهدئة أو الإيذاء، على جمع الناس أو دفعهم إلى مزيد من التباعد.
هذا الدور كان محور الندوة الحوارية التي نظمها اتحاد الصحفيين السوريين فرع اللاذقية بعنوان «دور الصحافة في تعزيز السلم الأهلي»، والتي ناقشت مسؤولية الإعلام في مرحلة التعافي، وحدود تأثيره في الذاكرة الجمعية وخطاب الكراهية.
من الخبر إلى الأثر الاجتماعي
ناقش المشاركون في الندوة التحول المطلوب في الأداء الصحفي، من الاكتفاء بسرد الوقائع إلى التفكير بأثر الكلمة على المجتمع، مؤكدين أن الإعلام في هذه المرحلة مطالب بلغة مسؤولة، بعيدة عن التحريض أو استحضار الجراح، وقادرة على خلق مناخ عام يُعيد الثقة بين السوريين.
واتفق المتحدثون على أن السلم الأهلي لا يُصنع عبر الشعارات، بل عبر ممارسة إعلامية يومية، تبدأ من اختيار العنوان، ولا تنتهي عند زاوية التغطية أو نوعية الضيوف.
الصحافة المحلية ودورها في تعزيز السلم الأهلي
وفي تصريح للحرية، أكد رئيس تحرير صحيفة الوحدة محمود رسلان أن الصحافة المحلية تلعب دوراً أساسياً في ترسيخ قيم السلم الأهلي، من خلال تشكيل وعي مجتمعي قائم على نشر ثقافة التعايش، وإبراز القواسم المشتركة بين مختلف فئات المجتمع، ما يعزز الثقة المجتمعية ويفتح المجال أمام بيئة مستقرة ومستدامة.
وأشار رسلان إلى أن معالجة المسببات الجذرية للنزاعات، كالفقر والعدالة والمساواة، يجب أن تكون جزءاً من الخطاب الإعلامي المسؤول، لا هامشاً ثانوياً فيه.
الإعلام الرسمي ومساحة التحول
من جانبه، أوضح مدير عام وكالة سانا جمعه الجزار للحرية أن الندوة تناولت دور الصحافة الوطنية الرسمية في دعم السلم الأهلي خلال المرحلة الماضية، لافتًا إلى أن الوكالة عملت على توسيع دائرة الشمول عبر إضافة اللغة الكردية إلى موقعها الرسمي، إلى جانب تكثيف تغطية المبادرات والفعاليات المجتمعية والأهلية في محافظة اللاذقية وبقية المحافظات.
وبيّن الجزار أن الإعلام الرسمي يشهد اليوم تحولاً في آليات العمل، مع اتساع المساحة التحريرية، ووصول المؤسسات الإعلامية إلى الناس بشكل مباشر، ما عزز المصداقية، بعد أن كانت هذه المؤسسات خاضعة لإملاءات فرضتها المرحلة السابقة.
الإعلام والذاكرة الجمعية
وتوقفت الندوة عند التأثير العميق للإعلام في تشكيل الذاكرة الجمعية، محذّرة من إعادة إنتاج خطاب الكراهية أو تكريس الانقسام، مقابل الحاجة إلى خطاب واع يعيد سرد التجربة السورية بوصفها تجربة ألم مشترك وأمل مشترك، لا مادة للفرز أو الإقصاء.
وأكد المشاركون أن الإعلام، في زمن التعافي، مطالب بأن يكون مساحة للإنصات لا الاتهام، وللشفاء لا إعادة النزف.
في زمن التعافي، تصبح الكلمة فعلًا أخلاقياً قبل أن تكون أداة مهنية. فالسلم الأهلي لا يُبنى بالصمت ولا بالتحريض، بل بإعلام مسؤول، يكتب بوعي، وينحاز للإنسان، ويعمل على إعادة السوريين إلى فكرة البيت الواحد، مهما طال الشتات.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
