حمزة العبد الله:
في ظل ترقب واسع بالأوساط الاقتصادية والشعبية لطرح العملة الوطنية الجديدة، تتجه الأنظار إلى تأثير هذه الخطوة في سعر صرف الليرة ومستويات التضخم والقوة الشرائية.
وبين آمال بتحقيق استقرار نقدي مؤقت ومخاوف من أن يكون الإجراء شكلياً ما لم يُرفق بإصلاحات عميقة، يفتح ملف حذف الصفرين الباب أمام تساؤلات جوهرية حول جدواه، وانعكاساته المحتملة على الأسواق، والسيناريوهات المنتظرة لمسار الليرة في المرحلة المقبلة.
ويرى الباحث الاقتصادي إيهاب اسمندر، أن التنبؤ بسعر صرف الليرة بعد طرح العملة الجديدة يُعد معقداً إلى حد ما، كونه يعتمد على عوامل متشابكة، ولا يشكل مجرد نتيجة ميكانيكية لحذف الصفرين.
وقال اسمندر لصحيفة “الثورة السورية”، إن عوامل عدة قد تؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة الجديدة، من بينها غياب الإصلاحات الهيكلية، أي في حال اقتصر التغيير على إعادة التسمية من دون معالجة أسباب التضخم الأساسية، مثل العجز المالي، وطباعة النقود لتمويل الحكومة، وعجز الحساب الجاري.
وأضاف أن ضعف الثقة يلعب دوراً محورياً، إذ إن تشكك المواطنين والقطاع الخاص بالإجراء قد يدفعهم إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار أو السلع، ما يزيد الضغط على الليرة، فضلاً عن الوضع الاقتصادي والسياسي العام، وضعف الإنتاج المحلي والتصدير، إضافة إلى التضخم المستورد، نتيجة اعتماد السوق السورية على المستوردات بنسبة تتجاوز 80 بالمئة من احتياجاتها، الأمر الذي ينقل أي تضخم في أسعار المنشأ إلى داخل الاقتصاد السوري.
لكن بالمقابل، تؤكد مصادر مصرفية أن “خطر التضخم محدود”، لأن الخطوة لا تتضمن توسيع الكتلة النقدية، مشيرة إلى أن المصرف المركزي لن يطبع على المكشوف، ومعتبرة أن أزمة الليرة بمعظمها سياسية بسبب النظام المخلوع، بينما تساعد السياسة الخارجية الحالية على اتخاذ إجراءات اقتصادية فعالة.
عوامل تدعم الليرة
تحدث اسمندر عن وجود عوامل قد تدعم الليرة، أبرزها الأثر النفسي الإيجابي، إذ إن طرح العملة الجديدة يمنح ثقة رمزية ويشجع على استخدامها في التعاملات بدلاً من الدولار لفترة معينة، إضافة إلى إجراءات مصاحبة محتملة، في حال رافق الإصلاح النقدي سياسات حقيقية، مثل رفع الفائدة على الودائع بالليرة، وإصدار أذون خزانة لجذب السيولة، وتحسين ضبط الحدود ومكافحة تهريب العملة.
كما لفت إلى أن تلقي سوريا دعماً خارجياً أو خطوط ائتمانية أو استثمارات من شأنه دعم احتياطيات العملة الأجنبية.
وتتوقع المصادر المصرفية أن تتدفق الاستثمارات إلى سوريا بعد اكتمال رفع العقوبات، الأمر الذي من شأنه أن يحرك العجلة الاقتصادية.
سيناريوهات سعر الصرف
بناء على ذلك، يرى اسمندر أن سوريا أمام سيناريوهات محتملة لسعر الصرف:
السيناريو الأول (المتفائل – غير مرجح في المدى القصير): استقرار نسبي لسعر الصرف الجديد في حال ترافق إصدار الليرة الجديدة مع إصلاح اقتصادي حقيقي.
السيناريو الثاني (الواقعي – الأكثر احتمالاً): تحسن نفسي قصير الأمد، يعقبه عودة الانخفاض التدريجي نتيجة استمرار الضغوط التضخمية الأساسية.
السيناريو الثالث (المتشائم): في حال استمرار سياسة طباعة العملة الجديدة من دون إجراءات اقتصادية علمية، قد يفقد السوق الثقة، ما يؤدي إلى تراجع سعر الصرف بوتيرة أسرع من السابق.
ويؤكد اسمندر أن حذف الصفرين بحد ذاته لا يخلق قيمة حقيقية، بل يعيد ترتيب الأصفار، مشيراً إلى أن السعر الحقيقي لليرة سيتحدد وفق عدة عوامل، أبرزها كمية الليرة المطبوعة مقابل الاحتياطيات الأجنبية، وعجز الموازنة والدين العام، ومستوى الثقة المحلية والدولية بالاقتصاد السوري.
قاعدة التصفير
يرى الباحث الاقتصادي خالد التركاوي، أن تحديد سعر صرف العملة الجديدة مقابل العملات الأجنبية من الناحية النظرية يختلف كلياً عن الناحية العملية، لأن الجانب النظري يقوم على حذف الأصفار ضمن قاعدة اقتصادية بحتة تعرف بالتصفير، أي إن طرح العملة لن يحدث أي فرق لجهة قوتها مقابل بقية العملات.
وقال التركاوي لصحيفة “الثورة السورية”، إن تحديد السعر يعتمد بالدرجة الأولى على كمية العرض والطلب ومدى قبولها الشعبي، مشيراً إلى أن الورقة النقدية التي تحمل صورة رأس النظام المخلوع لم تلقَ قبولاً في كثير من المناطق خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن قبول العملة الجديدة في الجغرافية السورية كافة مهم جداً لتحديد سعرها، خاصة مع وجود جيوب لا تسيطر عليها الحكومة السورية مثل مناطق في الجزيرة السورية والسويداء، لأنه في حالة رفض التعامل بها سيقود إلى تحديات ستنعكس على قوتها أمام بقية العملات الأخرى.
وأوضح أن قوة العملة عند طرحها للتداول تعتمد على إجراءات المصرف المركزي عند شراء العملة بتخفيض الكتلة النقدية، لأن ذلك سيؤثر بشكل كبير، فكلما انخفضت الكتلة زادت قيمة الليرة والعكس صحيح.
وتوقع التركاوي أن يكون المصرف المركزي حذراً في المرحلة الأولى لجهة كميات الكتلة النقدية المطروحة، مبيناً أن تحديد القيمة يرجع إلى آليات التقنية الخاصة بالمصرف المركزي عند بدء الطرح وعملية التبديل من العملة القديمة إلى الجديدة.
وبحسب المصادر المصرفية، لن تحمل العملة الجديدة أي صور لشخصيات أو رموز تاريخية، بل ستتضمن رموزاً شاملة تراعي الوحدة الوطنية.
الليرة
حذف الصفرين
يرى المحاسب القانوني والمستشار المالي والاقتصادي محمد ناصر حمو، أن حذف الصفرين يخضع لقاعدة اقتصادية تُعرف بسياسة التصفير، ويهدف بالدرجة الأولى إلى تقليل معدلات التضخم المرتفعة، أو الحصول على الائتمان الدولي، إضافة إلى السيطرة والرقابة على سوق العملات، وتسهيل عمليات البيع والشراء، والحد من حمل كميات كبيرة من الأوراق النقدية.
وقال حمو لصحيفة “الثورة السورية”، إن حذف الصفرين مهم لجهة الحفاظ على استقرار أسعار السلع، وتجنب التضخم المفاجئ، وضبط الأسواق، وتسهيل التكيف التدريجي المدروس مع طرح العملة الجديدة، تجنباً لحدوث تغيرات جذرية في النظام المالي.
بدوره، اعتبر اسمندر أن حذف صفرين يُعد حلاً وسطياً لمواجهة التراجع الكبير في قيمة الليرة، التي فقدت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها منذ 2011، موضحاً أن حذف صفر واحد لن يكون له أثر يُذكر، في حين أن حذف ثلاثة أصفار سيؤدي إلى صعوبات تتعلق بتسعير السلع، وقد يدفع إلى إصدار فئات جديدة، ما يشكل أعباء إضافية على الحكومة.
وأضاف أن هذا الإجراء يسهم في تقليل تكلفة طباعة العملة، وتسهيل المعاملات المحاسبية والمالية، وإعادة الثقة بالعملة الجديدة، مؤكداً ضرورة أن يترافق مع إجراءات اقتصادية حقيقية وبرنامج إصلاحي للسيطرة على السيولة.
المعروض النقدي
أوضح حمو أن المعروض النقدي الحقيقي لن يطرأ عليه تغير، لأن التعديل يقتصر على طريقة عرض الأرقام، إلا أنه سيعزز القوة الشرائية لليرة من الناحية النفسية، ما يخفف الأعباء المالية عن المواطنين.
وأشار إلى أن قوة العملة الجديدة تبقى مرهونة بتوفر عوامل عدة، أبرزها زيادة الإنتاج المحلي، وارتفاع الناتج الإجمالي، وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، وتراجع معدلات التضخم.
من جانبه، ربط اسمندر القوة الشرائية للعملة الجديدة وكمية المعروض النقدي بتحقيق استقرار اقتصادي حقيقي قائم على الإنتاج والسياسات المالية والنقدية السليمة، محذراً من أن الخطر بعد طرح العملة يكمن في تفاقم التضخم في حال استخدام العملة الجديدة لطباعة أموال إضافية من دون غطاء.
وتوقع اسمندر تراجع معدل التضخم على المدى القصير بعد طرح العملة الجديدة، نتيجة ارتفاع ثقة المواطنين وتسهيل التعاملات اليومية، في حين رأى حمو أن مقياس التضخم قد يبدو أكثر استقراراً أو أقل تضخماً ظاهرياً، نظراً لصغر الأرقام وسهولة قراءتها.
وأشار اسمندر إلى أن التأثير طويل الأمد على التضخم مرتبط بعوامل عدة، من بينها السياسات التي سيتبعها المصرف المركزي، وما إذا كان سيطبع أموالاً إضافية، وعجز الموازنة الحكومية، والقدرة على جذب العملات الأجنبية، وتحسن الإنتاج المحلي، وحركة التجارة الدولية، والتعافي من تداعيات العقوبات الدولية التي كانت مفروضة إبان عهد النظام المخلوع.
وأكد أن معالجة الأسباب الهيكلية للتضخم تمثل أولوية قصوى لتجنب موجات تضخم جديدة، مشدداً على أن الإدارة الاقتصادية والنقدية الرشيدة هي الأساس في مواجهة هذه المشكلة.
فترة التعايش بين العملتين
يرى اسمندر أن فترة التعايش بين العملتين قد تمتد من ستة أشهر إلى عامين، وقد تكون أقصر في حال ارتفعت ثقة المواطنين بالعملة الجديدة، وتوافرت الفئات المتداولة، وسُحبت العملة القديمة عبر البنوك حصراً.
وبحسب المصادر المصرفية، ستكون فترة التعايش لمدة ثلاثة أشهر بالحد الأدنى، ويبلغ الحد الأعلى في القانون خمس سنوات.
وحذر اسمندر من أن استمرار التعامل بالدولار الأميركي، والصعوبات اللوجستية في توزيع العملة الجديدة في مختلف المناطق السورية، قد يؤديان إلى إطالة هذه الفترة، مشيراً إلى أن تقصير مدة التعايش يحد من المضاربة والالتباس في أسعار السلع.
بدوره، اعتبر حمو أن فترة التعايش يجب أن تكون قصيرة ولا تتجاوز عاماً واحداً، لتجنب الارتباك وضمان انتقال سلس، داعياً الجهات المعنية إلى تنظيم ورشات توعوية قبل طرح العملة في الأسواق والمصارف.
ويجمع كل من حمو واسمندر على أن طرح العملة الجديدة يجب أن يترافق مع إصلاح اقتصادي واسع، يشمل ضبط العجز المالي، وتحفيز الإنتاج المحلي، واستقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال، مؤكدين أن العملة الجديدة، من دون ذلك، لن تحل الأزمات الاقتصادية العميقة، وستبقى إجراء شكلياً لا أكثر.
أخبار سوريا الوطن١-الثورة السورية
syriahomenews أخبار سورية الوطن
