أحمد العبد
أنهى جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، إحدى أوسع الهجمات العسكرية في بلدة قباطية الواقعة جنوب جنين، والتي جاءت كردّ انتقامي على عملية فدائية نوعية نفذها ابن البلدة، الشاب أحمد أبو الرب، بين مدينتي العفولة وبيسان، وأسفرت عن مقتل مستوطنَين اثنين وإصابة آخرين. وسارع العدو، عقب العملية، إلى استعراض القوة وبث الترهيب في قباطية، زاجّاً بقوات كبيرة في البلدة، وفارضاً طوقاً عسكرياً شاملاً عليها، ودافعاً بعشرات الآليات العسكرية الثقيلة، بما في ذلك الجرافات الضخمة والمدرعات وناقلات الجند، إليها. وتَرافق ما تقدّم مع إدخال وحدات من القناصة وقوات المداهمة والشرطة الخاصة، والتي رافقها إسناد جوي عبر الطائرات المروحية التي عمدت إلى إطلاق النار بكثافة.
وإذ أغلقت قوات الاحتلال مداخل قباطية كافة، وفرضت حظر تجول غير معلن عليها، مانعةً الدخول إليها والخروج منها بشكل شبه كامل، فقد أدى ذلك إلى شلل تام في الحياة اليومية للسكان، وتعطّل الأعمال والورش والمرافق الحيوية. وبدا هذا المشهد أقرب إلى عقاب جماعي لسكان البلدة، باعتبار أن الأخيرة تشكل بيئة حاضنة للعمل المقاوم، علماً أن وسائل إعلام عبرية كانت قد نقلت عن منفذ العملية قوله خلال التحقيق إنه «أقدم على ما أقدم عليه بشكل فردي بعد مشاهدته اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة»، فيما زعمت مصادر أخرى انتماءه إلى حركة «الجهاد الإسلامي».
وبعد يومين من الحصار، أعلنت قوات الاحتلال، فجر أمس، انسحابها من قباطية، التي يفيد رئيس بلديتها، أحمد زكارنة، في حديث إلى «الأخبار»، بأن العدوان ترافق مع توسيع رقعة الاقتحامات والمداهمات لتشمل مناطق واسعة من البلدة، مشيراً إلى أنه في أعقاب استعراض القوة النارية والعسكرية عبر الطائرات المروحية، عمدت القوات الإسرائيلية إلى إغلاق الطرق الرئيسية وشلّت حركة الأهالي بالكامل تحت ذريعة «إحباط أعمال إرهابية».
ترى إسرائيل أنّ الضفة الغربية تظلّ الساحة الأخطر والأكثر قابلية للاشتعال في
المرحلة المقبلة
ويلفت زكارنة إلى أن «جيش الاحتلال حوّل عدداً من المنازل والمدارس إلى ثكنات عسكرية ومراكز تحقيق واحتجاز مؤقت للشبان، الذين تجاوز عددهم الـ50 مواطناً، قبل أن يتمّ الإفراج عن غالبيتهم بعد ساعات من التحقيق»، فيما نالت منازل عائلات الشهداء والأسرى الحصة الأكبر من التخريب بدعوى تفتيشها. أمّا عائلة الشهيد أبو الرب، فتلقت قراراً بإغلاق المنزل تمهيداً لهدمه، في حين تعرّض شقيقه ووالده للاعتقال.
وبدت الاعتداءات الإسرائيلية تلك، مصمَّمة، إلى حدّ كبير، لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالبنى التحتية في القرية؛ إذ يؤكد زكارنة أن حجم الأضرار كبير ومتعدد الجوانب، إلى «درجة أن أحد الشوارع الذي لم يمضِ سوى أيام على تعبيده تمت تسويته بالكامل بالجرافات»، فضلاً عن شوارع رئيسية أخرى خاصة في منطقة جبل الزكارنة. وإذ ترافق ذلك مع إغلاق الطرق بالسواتر الترابية، وقطع خطوط المياه والاتصالات والكهرباء، فقد خلّفت العملية في المجمل دماراً واسعاً طاول الممتلكات العامة والخاصة، تاركةً تبعات كارثية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكان البلدة البالغ عددهم 33 ألف نسمة، والذين يعمل كثيرون منهم في قطاعات صناعية من مثل مصانع الحجر الطبيعي والمنشآت الحرفية.
وليست هذه العملية الأولى من نوعها في قباطية؛ إذ كانت قد شهدت البلدة سلسلة من العمليات العسكرية خلال الأشهر الماضية، والتي تخلّلتها اغتيالات وملاحقات للمقاومين، مما جعل قباطية ضمن قائمة الاستهداف الأمني المتقدّم لدى جيش الاحتلال. إلا أنه هذه المرة، ترافقت العملية مع رسائل تهديد مباشرة للسكان؛ إذ نُقل عن أحد المفرج عنهم قوله إن جيش العدو أبلغه بأن مصير قباطية قد يصبح مشابهاً لمصير مخيم جنين ومخيمات طولكرم إذا استمرّت في احتضان «المخرّبين».
هكذا، يسعى العدو إلى تكريس سياسة جبي «الثمن الجماعي» مقابل أي عمل مقاوم، لا سيما في ظلّ فشله الاستخباراتي في منع العمليات الفردية التي باتت تثير قلق المؤسسة الأمنية، وتدفعها إلى هجمات واسعة النطاق لطمأنة الجمهور وتثبيت صورة الردع.
وبدورها، تستغلّ حكومة بنيامين نتيناهو مثل تلك الهجمات لتعزيز شعبيتها أمام المجتمع الإسرائيلي الذي يقف على أعتاب انتخابات عامة، وتنمية سردية السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، وتسويق السياسات التي تعمّق الاستيطان وتدفع في اتجاه الضم التدريجي، جنباً إلى جنب استخدام الضفة كساحة اختبار لأساليب السيطرة والقتال في المناطق المكتظة.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
