باسمة إسماعيل:
برزت زراعة الورد في البيوت المحمية بمنطقة جبلة كحل اقتصادي مبتكر يحاكي تطلعات المزارعين نحو تحقيق دخل ثابت ومستدام، في ظل التغيرات المناخية الصعبة والظروف الاقتصادية المتقلبة، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها هذه الزراعة كغيرها من الزراعات، إلّا أن الورد أصبح يشكل مصدراً رئيسياً للرزق للكثير من العائلات الريفية في المنطقة، ليعكس تحولاً نوعياً في طريقة التفكير الزراعي المحلي.
بديلاً مثالياً
بدأت زراعة الورد في البيوت المحمية بجبلة بشكل محدود منذ سنوات، لكنها شهدت توسعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، بفضل انخفاض تكاليفها نسبياً مقارنة بالزراعات الأخرى وارتفاع جدوى الأرباح التي تحققها. وقد وجد العديد من المزارعين فيها بديلاً مثالياً في ظل الظروف المناخية المتقلبة وارتفاع تكاليف الإنتاج، خصوصاً في المحاصيل الزراعية مثل الخضراوات والأشجار المثمرة كالحمضيات.
الخيار الأكثر ربحاً
وفي حديثه لـ«الحرية»، أشار المزارع حيدر محفوض من قرية عين شقاق إلى أن زراعة الورد أصبحت بالنسبة له مصدراً رئيساً للدخل، وبيّن أن الورد بما يتمتع به من مقاومة للظروف المناخية القاسية، أصبح الخيار الأكثر ربحاً مقارنة ببقية المحاصيل الزراعية. وأكد أن تحوله إلى زراعة الورد جاء في إطار محاولاته لتأمين دخل ثابت لعائلته في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي جعلت من هذه الزراعة مشروعاً أكثر ضماناً.
جدوى الاستثمار في زراعة الورد
من جانبه، أكد المزارع حيدر علي من قرية عين شقاق أن الورد أصبح جزءاً أساسياً من خطط الإنتاج الزراعي في قريته. وأوضح أنه بدأ بزراعته منذ نحو خمس سنوات، وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها مثل ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج حيث تبلغ تكلفة إنشاء البيت الواحد نحو 18 مليون ليرة سورية، وتقلبات الأسعار المرتبطة بسعر الصرف، إلّا أنه مستمر بزراعته لأنها أصبحت مصدر دخل رئيسي له ولعائلته. وأشار إلى أن هناك إقبالاً على الورد المحلي في السوق، ما يعزز من جدوى الاستثمار في هذا القطاع الزراعي. ووافقه الرأي عدد من المزارعين من قرى الروضة ورأس العين وغيرهما.
زراعة الورد في جبلة تشهد نمواً ملحوظاً… ومطالب بفتح أسواق خارجية
ضرورة فتح أسواق خارجية
وشدد المزارعون جميعاً على أهمية الدعم الحكومي لهذه الزراعة، وضرورة التوسع في فتح أسواق خارجية للورد السوري. وأكدوا أن التسويق الجيد والترويج لمنتجاتهم في الأسواق المحلية والخارجية سيمنحهم فرصاً أكبر للمنافسة واستدامة مشاريعهم، بما يضمن لهم دعماً مادياً مستقراً.
رؤية الخبير: تطور ملحوظ
وفي هذا السياق، قال المهندس الزراعي مفيد حمدان، الخبير في شؤون الزراعة بمنطقة جبلة، إن زراعة الورد شهدت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة وأصبحت تتنافس مع الزراعات التقليدية الأخرى. وأوضح أن إحصائية دائرة زراعة جبلة تشير إلى وجود 2552 بيتاً مزروعاً بأزهار القطف و39 بيتاً لنباتات الزينة. وتتركز بيوت أزهار القطف في قرى عين شقاق بمجموع 1303 بيوت، تليها سيانو بـ598 بيتاً، ثم الروضة بـ116 بيتاً، وحميميم بـ100 بيت، فيما تتوزع نباتات الزينة في قرى البرجان والراهبية والقطيلبية وقبو سوكاس ودوير الخطيب والأشرفية وقبو العوامية.
وأضاف أن الأصناف الأكثر طلباً في السوق المحلي تشمل الورد الجوري والكريزنتيم والجبسوفيلا والسوليداغو والمنصور والزنبق البلدي ولويزيانا، حيث ينتج البيت الواحد وسطياً نحو 6000 وردة، إضافة إلى مجموعة من أزهار الصالون المستخدمة في التزيين. ولفت إلى أن المزارعين رغم نجاحهم يواجهون تحديات كبيرة تتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج من إنشاء البيوت المحمية إلى مراحل الزراعة والجني والتسويق، فضلاً عن تقلبات الأسعار المرتبطة بسعر الصرف وحصر التسويق في السوق المحلية دون وجود أسواق خارجية. ويرى أن هذه التحديات تعد من أبرز العوائق أمام تحقيق الاستدامة الكاملة لهذا القطاع الزراعي، على الرغم من الإقبال الكبير على تلك الزراعة كونها أصبحت مصدراً رئيسياً لكثير من العائلات.
الأمل معقود على الاستثمار والتسويق
تمثل زراعة الورد في البيوت المحمية بجبلة نموذجاً إيجابياً للمزارعين الذين نجحوا في التكيف مع الظروف الاقتصادية والمناخية الصعبة. لكنها يمكن أن تكون أكثر قوة إذا تلقت الدعم المناسب في مجالات التسويق والتوسع في الأسواق الخارجية. وفي ظل الإقبال المتزايد على هذه الزراعة، يبقى الأمل معقوداً على تعزيز الاستثمار في هذا المجال وتذليل التحديات التي تواجهه، ليصبح قطاع الورد أحد الأعمدة الاقتصادية المستدامة في جبلة.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
